لن تختلف نتيجة الانتخابات البرلمانية في العراق كثيرا عندما تستكمل مرحلة العد والفرز النهائي بعد أن أظهرت المفوضية العليا نتائج أكثر من 90% من أصوات الناخبين العراقيين، إذ أشارت الارقام إلى تقارب الكتل الكبيرة المشاركة في العملية الانتخابية خصوصا قائمتي ائتلاف الوطنية بزعامة الدكتور اياد علاوي وائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ويليهم قائمة الائتلاف الوطني العراقي وكذلك بنسبة اقل القائمة الكردية.

الا ان المراقب للمشهد السياسي العراقي يرصد تغيرات مهمة في توجهات الناخبين تختلف عما كانت عليه في انتخابات عام 2005 .

والتي جرت وسط حالة من التوتر الطائفي والشحن المذهبي. فنحن الان امام قوائم حرصت وبدرجة متباينة ان تضم في صفوفها اغلب مكونات العراق في تعبير عن استشعار للتغير الذي طرأ على ذهنية المواطن العراقي عبر سعيه للمطالبة بحكومة وطنية وخفوت الصوت الطائفي والتمسك بوحدة العراق .

وهو الباعث الحقيقي في دفع الكيانات السياسية المتنافسة إلى رفع شعارات وطنية وبرامج تركز على محاربة الفساد المالي المستشري في مفاصل الدولة وتحسين منظومة الخدمات العامة.

كما ان الصورة التي سيرشح عنها الفائزون هي اقرب ما تكون إلى الحاجة لتكوين تحالفات أو ائتلافات ضرورية لتأمين النصاب العددي لتشكيل الحكومة القادمة.

وهو ما يعني ان الحكومة المقبلة بعد ان مضي حكومة المحاصصة الطائفية سوف تشهد بروز حكومة المحاصصة السياسية، مما يسهم في تعقيد مفاوضات تشكيلها التي من المتوقع ان تأخذ شهورا عديدة بسبب ان الكتل التي ستوافق على الانضمام إلى الحكومة الجديدة لا بد لها ان تضمن اولا حصتها في الحكم.

ومن ثم تتولى كتلتها البرلمانية مهمة الدفاع وحماية وزرائها المشاركين بما يعيد الينا انتاج صورة المشهد السابق عندما كانت الكتل البرلمانية تنبري للدفاع في مجلس النواب عن وزرائها في جلسات الاستجواب وتقوم بتعطيل اي قرار برلماني في الاستجواب أو العزل من الحكومة..

ففي ظل غياب مشروع وطني جامع يرتكز إلى اسس وقواسم مشتركة بين الكتل البرلمانية المشكلة للحكومة ستبقى الحكومة القادمة اسيرة التجاذبات السياسية والصراعات المستمرة.

إلا أن الإشارات الايجابية الصادرة عن الانتخابات هي القادمة من قائمة علاوي إذ لأول مرة تختار مناطق غرب وشمال العراق زعيما لها من طيف اخر هو العلماني الشيعي اياد علاوي في رسالة وطنية مفيدة تؤشر إلى تراجع المشاريع الطائفية والتقسيمية التي سبق وان طرحتها قوى وجماعات معينة لم تعد مناسبة للبيئة العراقية الوطنية .

وان هذا الشعب الذي لم يشهد كل تاريخه الحديث واقعة قتل طائفي أو عنصري واحدة يسير نحو تضميد جراحه وتجسير الهوة التي اراد الاحتلال الامريكي ان يضع لها ركائز بنيوية واجتماعية تعبر عن قصور فاضح في فهم مكنونات الشعب العراقي ذي الارث الحضاري وصانع اول مدنية في التاريخ ..

إن ذهاب الناس إلى الانتخابات عمل جيد ويستحق الاعجاب لكن المنطق السياسي اذا كان ما زال في العراق منطق للسياسة هو ان الانتخابات ربما لا تأتي بمسؤولين جيدين للحكم في ظل هذا التنافس الشديد على مغانم السلطة والحكم والا كيف يمكن ان نفسر رغبة 14 وزير من حكومة المالكي في اعادة انتخابهم أو عودتهم إلى البرلمان وسط سيل من اتهامات التقصير والفساد المالي.

والعجز التام عن تلبية اية مطالب إنسانية ضرورية للحياة، مثل عودة الكهرباء والضوء والماء الصالح للشرب للمواطنين الذين يئنون بنسب مرتفعة تحت سوط الفقر والبطالة والفوضى.

لذلك فان مهمة الحكومة العراقية الجديدة ستكون صعبة للغاية وسط تحديات امنية غاية في القسوة ومع الخفض المستمر للقوات الامريكية ورغبة اكيدة لدى إدارة الرئيس اوباما في تحقيق انسحاب صامت وطي صفحة العراق فإن اغلب المتابعين والمحللين السياسيين يعتقدون بأن الاصعب في العراق هو القادم .

وليس الذي مر لان الشعب العراقي نفسه صار يشعر بخيبة امل من العملية السياسية وحتى الانتخابات نفسها وهو يرى ان أكثر من مئتي مليار من الدولارات دخلت خزينة حكومة المالكي خلال الاربع سنوات المنصرمة.

والتي تساءل عن مصيرها اغلب المتنافسين في الحملات الانتخابية حتى ان نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي قال في لقاء له مع سكنة احدى المناطق البائسة في محافظة ذي قار الجنوبية ان من يرى حالة مدن وقصبات العراق الرثة يبكي ألما وحسرة وحيرة، اين ذهبت مليارات العراق؟

طبعا الجواب هو اكثر ايلاما من السؤال عندما يدرك القاصي والداني اين ذهبت المليارات فهي ببساطة دخلت في جيوب المسؤولين الفاسدين والمرتشين.

وهي ليست عملية حسابية معقدة، حينما يعلم المرء ان العراق صار البلد الوحيد الذي ينافس مينامار على المرتبة الاولى وللسنة الرابعة في الفساد المالي بحسب جداول منظمة الشفافية الدولية.

فالمواطن العراقي لا يتلمس اثرا من ثرواته الكبيرة وقد انعكس على حياته اليومية فلا أمن تاما ولا خدمات اساسية توفرت ولا شوارع عبدت وقوافل العاطلين صار بالملايين ومع تدهور التعليم والصحة وجيوش الارامل والايتام في ازدياد لا نقول الا: كان الله في عون العراق الذي تبددت ثرواته وابتلي باحتلال قاس ومرير ولا يرى حتى اللحظة ضوءاً في نهاية النفق..

كاتب عراقي

Al.dulaimi@hotmail.com