يحتفل العالم في 23 أبريل من كل عام باليوم العالمي للكتاب، وهو احتفال أقرته اليونسكو منذ عام 1995، وبعد حوالي خمس سنوات من الاحتفال بهذا اليوم، جاءت مبادرة أخرى لتضيف زخما لافتا للكتاب، وهي مبادرة اختيار العاصمة العالمية للكتاب.
بدأت في العام 2001 تم اختيار مدريد بإسبانيا عاصمة عالمية للكتاب مرورا ببيروت في العام 2009، التي ستسلمها لليوبليانا العاصمة السلوفينية هذه السنة.
هذه التظاهرة الحضارية تعكس تقديرا مميزا يحظى به الكتاب في الغرب واستمرارية لمنهجية تشجيع القراءة والكتابة الإبداعية في مجتمعات يشكل الكتاب رافدا أساسيا للمعرفة وجزءًا أساسيا في نشأة المجتمع، بينما نرتع نحن العرب في الشوارع والمراكز التجارية، تبحث القلة القليلة منا عن مكتبة يتيمة أو كتاب ضلّ طريقه.
الجدلية ليست في الاحتفال السنوي بالكتاب وما يصاحبه من فعاليات، بل الجدلية الرمزية هي في دور الكتاب في قيام الحضارات والارتقاء بالبشرية، حيث أيقن الغرب هذه الحقيقة.
فأصبح للكتاب صناعة يتفوق بها على صناعات أخرى، وبقي هذا الإنتاج المعرفي الثقافي مؤشراً لتطور مجتمعاتهم وتفوقها على غيرهم من مجتمعات العالم، ومن هنا بدأ الفارق يتّسع بيننا وبينهم.
عندما سقطت بغداد في العام (1258م) على يد المغول كان الكتاب أول من دفع الثمن وقدم نفسه شهيدا عن المدينة، أستبيح بيت الحكمة وألقي بالكتب في نهر دجلة، وبحسب الروايات، تغير لون النهر إلى الأسود بسبب الحبر الذي سال من صفحات الكتب حتى أظلم قاع النهر وسطحه، لتتحول الكتب المغتصبة، إلى جسر للمرور.
وطأته حوافر المغول، ففقدت الحضارة الإسلامية العربية إرثا معرفيا كبيرا ساهم بطريقة أو أخرى في بداية النهاية لأهم مركز فكري إسلامي آنذاك. سقطت بغداد وقامت، وذهب المغول وعادوا، أما الكتب، فذهبت بكنوزها طي التاريخ، وطي النسيان.
يبقى الكتاب الغائب الأكبر عن المشهد اليومي والثقافي في محيطنا رغم دوره الكبير في تشكيل ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية العربية. بدءاً بالقرآن الكريم الذي صنع أمة بأول أية نزلت فيه تدعو للقراءة، مرورا بالكم الهائل من الإنتاج الثقافي والمعرفي الذي قدمه علماء المسلمين إلى العالم.
يقول محدثي: ليس لدينا الآن ما نقدمه للعالم إلا الثقافة، ويردف قائلاً: «أنه مازال البعض يجادل بجفاء في أهمية الثقافة وتعريفها، ومازال الكتاب عندنا يدفع الثمن كالعادة، ليكون الضحية الأولى عند الأزمات.
عرف المسلمون الأوائل جيدا كيف تبدأ الحضارة فبدأوا بالترجمة من علوم الحضارات القديمة إلى اللغة العربية، وفي العصر العباسي بالتحديد، كان المشهد الثقافي هو الأبرز، وبفضل ذلك الإنتاج الثقافي الضخم أصبحت اللغة العربية لغة العلم وسادت بتفرد على لغات العالم الأخرى.
الإنتاج الثقافي المعرفي يصنع حضارة وكان الغرب مستهلكا للإنتاج الحضاري الإسلامي لكنه فهم قواعد اللعبة وبدأ ينتج الثقافة والمعرفة.
رغم أنه لم يعمر طويلا كان ابن المقفع صاحب كتاب (كليلة ودمنة) الكتاب الذي قيل إنه قتل صاحبه، أبرز المترجمين والأدباء في العصر العباسي، حيث نقله من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية، وبذكاء مميز يعرفه المترجمون، بث ابن المقفع آراءه السياسية والفكرية في النص المترجم حتى أنه كان يقال إنه هو كاتب الكتاب.
أخذ هذا الكتاب طريقه بين ثلاث حضارات قديمة، الهندية والفارسية والإسلامية كان له قصة في كل حضارة، حيث كتبه فيلسوف الهند بيدبا واحتكره في مملكة الهند في القرن الثالث الميلادي واستنسخه من الهند بطريقة ذكية وقصة مثيرة طبيب ملك الفرس (برزويه) .
واشترط أن يوضع اسمه في المقدمة ليخلد مع الكتاب، ونقله ابن المقفع إلى العربية في العصر الإسلامي العباسي ولأن الحضارات لاتدوم قال التاريخ كلمته، انتهت تلك الحضارات وأتت غيرها وبقى الكتاب حاضراً وشاهداً.
كاتب إماراتي