شمازالت فكرة العمل التطوعي في البلاد العربية أسيرة لجملة من المبادرات الفردية أو بتشجيع من الهيئات الرسمية من دون الارتقاء بصيغ العمل التطوعي للفرد والجماعة من مستوى المبادرات الإنسانية في أوقات الأزمات والكوارث إلى مستوى العمل المؤسسي المرتكز إلى أساليب وهيئات لها عنصر الديمومة وترتبط بجملة من الأهداف الإنسانية لتمكين هذه الهيئات من الحصول على إمكانات ووسائل تساعدها في الانطلاق نحو السعي الجاد نحو تحقيق غاياتها في التخفيف من أثار الأزمات والكوارث الطبيعية أو معالجة نتائج الحروب والنزاعات على السكان المدنيين سيما تلك الفئات غير القادرة من النساء والأطفال وكبار السن.
وتكمن الأهمية الكبرى للعمل التطوعي في أنه يسعى إلى توسيع مشاركة المواطنين في القضايا المجتمعية والوطنية ويربط بين الجهود الرسمية والأهلية العاملة على تطور المجتمع وتنميته المستدامة ويمكن لهذه الممارسات والأفعال ذات السمة التطوعية من التأثير الإيجابي في فئة الشباب والفتيان وتعودهم على نمط وطريقة حياة تقوم على تحمل المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية.
كما أن اتساع رقعة العمل التطوعي يسهم في التقليل من أخطار الآفات والظواهر الاجتماعية ومحاصرة السلوكيات الضارة والمنحرفة وذلك عن طريق انغماس الأفراد في واجبات القيام بأعمال من شأنها أن تشعرهم بأنهم مرغوب فيهم، ويضاف إلى ذلك أن هذه المشاركة التطوعية ستؤدي إلى تنمية قدرة المجتمع على مساعدة نفسه عن طريق المبادرات الذاتية التي يمارسها المنخرطين في الفرق والبرامج التطوعية .
والتي بلا شك تسهم في طرد السلبية في نظرة الفرد إلى العالم المحيط وتشكل مناعة قوية في التصدي للظواهر والإفرازات السلبية في المجتمعات العربية بسبب انتقال قيم العولمة الضارة وانتشار المخدرات والجريمة والارتقاء بصيغ المحافظة على البيئة والعناية بالذوق العام ونشر قيم التضامن والتكافل النابعة من قيم ديننا الإسلامي الحنيف ومغادرة حالة اللامبالا. كل ذلك يجعل من الفرد جزءا فاعلا في البنية الاجتماعية من خلال سعيه ومثابرته في المشاركة في تنمية البلدان والارتقاء بالأوطان وتعويض التخلف..
أن تفاعل الأشخاص المنخرطين في المهام التطوعية ضمن السياقات المنظمة والهادفة سوف يقودهم إلى التفاهم والاتفاق حول أهداف مجتمعية مرغوبة وهذا يقلل من فرص اشتراكهم في أنشطة سلبية أخرى قد تكون مهددة لتقدم المتجمع وتماسكه.
إن كل سلسلة الفعاليات والبرامج التطوعية ذات الأبعاد الإنسانية لا بد لها أن ترتبط بتلبية مجموعة من الأهداف الخيرية والاجتماعية تسهم في الدفع بقضية العمل التطوعي من خلال السعي إلى إشباع شعوره المتطوع ورغبته في التميز والنجاح في القيام بعمل يكون موضع تقدير المجتمع واعتزازه بدوره بغية الحصول على مكانة أفضل له في هذا المجتمع الذي هو بحاجة ماسة إلى ترسيخ قناعات أكيدة بالانتماء إليه كما انه يمنح أي الفرد المتطوع فرصة هائلة لتكوين صداقات وعلاقات تعطيهم قدرا من الأمان وراحة الضمير وتحقيق الذات.
إن الأفراد الذين يسهمون في العمل التطوعي من المؤكد أنهم سيعوضون النقص في القوى والقدرات المتاحة للعمل لدى هذه الهيئات والمنظمات المدنية التي تقوم بتقديم خدماتها إلى المحتاجين لها إذ إن المعتاد تعاني هذه الهيئات من نقص في اليد العاملة وأن هؤلاء سيبذلون جهوداً واضحة وبناء لتعريف المجتمع المحلي بهيئاتهم التطوعية فيستمر تأييده لها أدبيا وماديا واجتماعيا إلا أن هذه الهيئات لا تستطيع العيش بمعزل عن أفراد المجتمع الذي تعمل في أوساطه ومفاصله.
فمن الحقائق الثابتة أن المجتمع بكل ركائزه وبناه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وقيمه الأخلاقية والروحية لا يمكن الفصل فيما بينها إلا في التجريد النظري.
وهذه الحقيقة تنبع من بديهية ثابتة هي أن الإنسان بوصفه الخلية الحية للمجتمع كل لا يتجزأ. ولذلك فان العمل الطوعي يجب أن لا ينحصر في جوانب محدودة للمجتمع والإنسان بل يجب أن يتسع لتشمل قاعدته العريضة الإنسان وحقوقه الأساسية في الحياة والسلام والحرية.
كاتب عراقي