قبل أسبوعين أو أكثر قليلا، فوجئت بصديقي الذي أعرف أنه يحضر دراساته العليا في أحد بلدان آسيا البعيدة، يهاتفني لكن هذه المرة ليس من تلك العاصمة البعيدة التي يقطنها، إنما من داخل دبي، ليقول لي بلهجته العراقية «عيوني مر علي، أنا في أحد فنادق دبي»..

مكالمة قصيرة حملتني إليه، فعرفت سبب زيارته الخاطفة إلى دبي، فبادرني بالقول: إنه البركان الثائر في ايسلندا قد منعنا من مواصلة رحلتنا إلى عاصمة أوروبية، إلا أن دبي أبت إلا أن تستضيفنا وتمنحنا هذه الفرصة النادرة، فوسط هذا الركام المتطاير في سماوات العالم، كانت سماء دبي صافية وروحها متقدة.

عندما فتحت لنا أحضانها ولكل ركاب الترانزيت المتوقفين فيها اضطراريا، لتقول لهم أهلا وسهلا، ومضيفهم هذه المرة طيران الإمارات، الشركة العملاقة التي لم تتخل عن روحها الإنسانية، ونسيت في لحظة الحقيقة والواجب حسابات الربح والخسارة الآنية، وتركت جانبا لغة الارقام كي تربح القلوب.

ففي الوقت الذي كان فيه، مثلما شاهدنا على التلفزة، ملايين المسافرين في العالم يفترشون صالات المطارات ويتوسدون أجهزة كشف المعادن، ويلتحفون سماوات المطارات وزحاماتها لعلهم يفحظون بإغماضة عين، كان ركاب الناقلة الإماراتية يستمتعون بإقامات فندقية نادرة وسط عناية قل نظيرها. خمسون مليون دولار أو أكثر ربما، خسرتها الناقلة الإماراتية، لكنها ربحت قلوب ومحبة عشرات الملايين في العالم..

قلت لا تستغرب يا صديقي العزيز، فطيران الإمارات الشركة التي تربعت على المرتبة السادسة في العالم، ستبقى تحمل إلى كل الدنيا بعضا من روح دبي المدينة التي اختارت لنفسها أبدا شعار، التميز في كل شيء، حتى في طريقة تعاطيها مع الأزمات والحالات غير المتوقعة.. فدبي ليست قصة نجاح بناء مدينة أو مشاريع عملاقة فحسب.

إنما أراد لها ملهمها الكبير وباني نهضتها ومبدع رؤيتها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أن لا تكون مدينة الأبراج العالية والمشاريع الكبرى الطموحة فقط، بل حرص على أن يبث في أنفاسها بعضا من قيمه وشيمه الأصيلة، وأن تكون مدينة رحيمة وأكثر إنسانية وعطاء، لأنه أدرك أن التميز أيضا له كلفة، لكن هذه الكلفة عندما تكون ضمن مدى رؤية متفردة، فإنها ستكون بلا شك موضع تقدير الدنيا أجمعها.

وهنا ذكر لي صديقي أن رفيق رحلته الأجنبي، قال له إنه ربما يصدق مدينة ما تدهش زوارها الذين يقصدونها بكل شيء جميل ومتحضر، لكن لا توجد مدينة في العالم تأسر بطيبها وكرمها حتى ركاب الترانزيت..

لا تندهش يا عزيزي، فكل شيء هنا يسير بإيقاع جميل، وثقة عالية بالنفس وبالمنجز الذي قد تحقق. ففي ظل تحديات اقتصادية واضطرابات هزت وزلزلت اقتصادات دول عريقة، مثل اليونان التي تكافح قبل أن تنهار والبرتغال وإيسلندا وقبلهم أميركا ودول عديدة أخرى، بقيت دبي متماسكة وسط هذه الأمواج المتلاطمة.

أكيد أنها تستشعر المخاطر وتتحسب لكل شيء، إلا أنها مثل نخلة باسقة جذورها عميقة في الأرض، وإن تمايل بعض سعفاتها مع الرياح فإنها تظل شامخة.

هذا ليس مديحا لمدينة نرتبط معها بوشائج المحبة والسكنى والعمل، لكنه يرتكز إلى حقائق وأرقام. فقبل أيام صرح سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، الرئيس الأعلى لمجموعة طيران الإمارات، بأن دبي ستحقق معدلات نمو هذا العام بنسبة 5%، وهي نسبة مرتفعة في ظل معطيات ومؤشرات الأسواق العالمية وتحديات الاقتصاد العالمي في هذه المرحلة.

دبي تسعى إلى تنويع مواردها وتبتكر حلولا لمشكلاتها مثلما هي دوما، فعيونها مفتوحة على المستقبل لأنها امتلكت خبرات النجاح، فهي لا تريد أن تكون جزيرة منعزلة تفكر لوحدها. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: دبي للإمارات والإمارات لدبي، دولة ناجحة وقيادة متماسكة ستجعل دبي تحمل للعالم كل جديد، وهي الواثقة الطموحة.

ما أروع أن يعمل الناس وسط التحديات، كي يشعروا أن عملهم ذو قيمة ونجاحهم جاء بعد عناء.. هذه هي الحياة، والكبار يبقون كبارا مهما عظمت الصعاب.. وأعود إلى صديقي الجميل راكب الترانزيت، لأقول له؛ شكرا للظروف التي منحتني رؤيتك أيها العزيز، ولا تعجب فهذه هي دبي.

كاتب عراقي

Al.dulaimi@hotmail.com