من يصنع الظالم؟
تبادر إلى ذهني هذا السؤال وقد جمعتنا صلاة جماعة أنا وصديقي مع مديره الذي يشتكي الجميع من أخلاقه وظلمه، ورغم هذه الصفات السيئة كان حريصا على أداء صلاته في المسجد بصفة يومية، بالإضافة إلى نصح ونقد المقصرين عن أداء الصلاة في أوقاتها، ووددت حينها مناقشته في العلاقة ما بين السلوك السيئ والعبادة، لكن صديقي منعني خوفا علي وعلى منصبه.
الأخلاق ليست في دور العبادة فقط! والعدل ليس فقط عند الزواج بأكثر من واحدة، العمل المهني والإداري يتطلب أخلاقيات حقيقية خالصة غير مشوهة، لا تتغير بتغير الظروف والمناسبات.
المدير الصادق والعادل في المسجد أو في البيت، لا بد أن يكون صادقا وعادلا أيضا في مجال عمله ومع الموظفين. الأقنعة التي يلبسها البعض في مجال العمل الإداري، لا بد أن تتساقط يوما وينكشف معها الوجه الحقيقي للفرد.
البعض يحاول تقليد الغرب وتطبيق المفاهيم المتداولة في علم الإدارة بفهم سطحي، هذا التطبيق الجزئي والفهم غير الصحيح، يجعلهم يعيشون في حالة تناقض يومي في المعاملة بين قيم الحياة المعروفة وقيم العمل المكتسبة، وفي اعتقادهم الخاطئ أن الأخلاق والمشاعر لا محل لها في مكان العمل، وأن الغرب يضعون أخلاقهم وعواطفهم في البيت ويأتون إلى العمل.
ويجهلون أن الغرب شرح وبتفصيل شديد الأمور الأخلاقية في الإدارة والعمل، وأفرد لها علوما خاصة تدرس في الجامعات والمعاهد، وتطبق في المؤسسات والشركات بقطاعيها العام والخاص، ويحميها قانون مصدق من الجهات التشريعية والتنفيذية.
هذا التناقض يبرز في بعض المؤسسات، حيث لا يتم تطبيق المنهج الأخلاقي في التعامل، وتضيع حقوق الموظفين، ويتم التحامل على الأشخاص باسم العمل، ويصبح الظلم موظفا موجودا في الدوام الصباحي والمسائي مع الموظفين.
وللأسف، نجد من خلال تجارب حية وواقعية أنه غالبا ما يربح المدير الظالم في البدايات، ويرجع سبب هذا في الأساس لعدم وجود ميثاق أخلاقي يحكم العلاقة بين جميع الأطراف، وإن وجد هذا الميثاق لا يطبق بصورة صحيحة.
لهذا تجد أن بعض المسؤولين في مجال العمل إذا خاصم فجر، ولا يلتزم حينها بأي معيار أخلاقي عند المخاصمة، ويطبق قانونه الخاص انتقاما لشخصه، لا يستمع لأي نصيحة أو تحذير من العقلاء، لأنها تقع عليه وقلبه في غفلة عن الحق، وتجده في غمرة انفعاله يسيء استخدام السلطة المؤقتة الممنوحة له من قبل مسؤول أعلى منه، والتي حدودها أحيانا طابق في مبنى! ويتمادى في طغيانه، ظنا منه أن سلطته ستدوم وأنها لن تبيد أبدا.
هناك دائما مبررات للظلم يسوقها الظالم لنفسه، ويساعده عليها أعوانه أو الفئة المستفيدة من وجوده على رأس منصبه، وفي أغلب الأحيان قد تتفاجأ عزيزي القارئ بأن الظالم لا يعرف أنه ظالم.
تختلف الصفات باختلاف الأشخاص، ويختلف تطبيقها قبل الحصول على السلطة وبعدها، حيث يصدم البعض بمفاجأة المنصب ويقع في فتنة السلطة المؤقتة التي لم يكن مهيأ لها، ومن هنا تبدأ سلسلة التجاوزات.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام يسمى بالصادق والأمين، في مجتمع تسوده جاهلية في الاعتقاد والعبادة، وقد حافظ الرسول صلى الله عليه وسلم على صفاته وأخلاقه قبل وبعد البعثة، وكان مثالا حقيقيا لمكارم لأخلاق يحتذى به إلى الآن كنبي الرحمة ورجل دين ودولة. قال الله تعالى في كتابه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة النون، آية (4).
من يصنع الظالم؟ هل هي الظروف التي تصنعه؟ أم أن ضعفنا يقويه؟
يقول الكاتب مصطفى محمود رحمه الله في إحدى مذكراته: «نحن نساعد في خلق الأباطرة والجبابرة، بل نحن نخلقهم ونشكلهم بأيدينا». للكاتب وجهة نظر تعبر عن حال كثير من الشعوب، وأن الأمم تستطيع أن تخلق حكاما ظالمين وآخرين صالحين.
فمن أقدم الدكتاتوريات المعروفة في التاريخ، ديكتاتورية فرعون (الرجل)، يقول تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) سورة الزخرف، آية (54). وفي المقابل، من أقدم نماذج الديمقراطيات المعروفة، قصة ملكة سبأ (المرأة) بلقيس التي استفتت شعبها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) سورة النمل، آية (32).
قيل قديما إن السلطة المطلقة فساد مطلق، والسلطة المؤقتة فتنة تجعل الظالم في حالة إغماء، تغمض عينيه عن العدل وقلبه عن الحق. حالة الإغماء هذه قد تدوم فترة معينة، يصحو بعدها الظالم وقد فقد منصبه أو مكانته، بشخصية مختلفة أقرب إلى الضعف، بعض من سخريتها أنه يشكو ويذم فيها الظلم والظالمين!
كاتب إماراتي