في مجتمعات اليوم، يشعر الإنسان في كل صباح يفتح فيه باب منزله، وكأنه فتح بوابة رياح لا قبل له بمقاومتها، وأنه ليس أمامه سوى أمرين: إما أن يستسلم لها ولمتطلباتها، وإما أن يرفض الاستسلام، وهنا فما عليه سوى أن يغلق الباب ويعود أدراجه للداخل، فإذا جلس متأملاً في عزلته انهمرت عليه أسئلة الحيرة والقلق والمصير! إن هذا الإنسان الذي يعيش في مجتمعات ما بعد الحداثة حيث تسيطر التقنية وتنقطع العلاقات الإنسانية، وتهيمن توجهات الحرية الشخصية واحترام الخصوصية والاعتماد على الذات، يرتطم في كل لحظة بتحديات وجودية غير مسبوقة، فإلى جانب الضغوطات النفسية والعقلية التي تهدد هويته وتجعله في صراع دائم، فإنه يواجه كذلك تلك الحالة من العزلة والوحدة والتباعد بين الناس. لا بدّ من الاعتراف بأن ما تقدمه لنا المجتمعات الحديثة، من منتجات كثيرة ونمط حياة شديد الرفاهية والتعقيد، قد عمّق عزلة الفرد ووسع من أزمة الإنسان بفقدان المعنى.

هذه الحالة أوجدت نوعاً من التوتر الداخلي في نفوس الكثيرين، حيث يعجز هؤلاء عن إيجاد إجابات مريحة لأسئلة الحياة الأساسية: من أنا؟ لماذا أنا هنا؟ ما معنى وجودي في هذا العالم؟ تُعتبر العزلة الاجتماعية إحدى أبرز سمات الإنسان المعاصر. وعلى الرغم من التواصل المستمر عبر وسائل التواصل، يشعر الكثيرون بالوحدة وعدم الانتماء.

ما يعمّق الأسئلة الوجودية، حيث يجد الإنسان نفسه في عزلة عاطفية ونفسية. وفي إطار هذه العزلة، تزداد تساؤلاته حول معنى الحياة، خاصة عندما لا تجد المسائل الروحية أو الأخلاقية مكاناً واضحاً في الأنماط الحديثة للعيش، التي غالباً ما تكون مادية بحتة. من جهة أخرى، تشهد المجتمعات الحديثة تضارباً بين الإيمان بالعلم وبين الحاجة إلى التفكر في المعنى الروحي، مما يترك الإنسان في حالة من الضياع، فالعلم، الذي قدم للإنسان إجابات علمية عن الكثير من الظواهر الطبيعية، لا يستطيع الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالوجود والمصير. وفي غياب الإجابات التقليدية التي كانت توفرها الديانات، يتلمس الإنسان طريقه لإيجاد معنى في حياة مليئة بالتحولات المستمرة.

وفي مواجهة هذه الأسئلة الصعبة، تظهر الحاجة الماسة للإيمان وللعائلة والأسرة والعلاقات الإنسانية والصداقة، بدل الانغماس المتزايد في ثقافة الاستهلاك المادي أو الحياة السطحية.