حققت الدراما الإسبانية مكانة وانتشاراً مشهودين على الساحة العالمية في السنوات الأخيرة، بفضل تطرقها لموضوعات مختلفة وواسعة، ما منحها قدرة فائقة على التصدي للعديد من الظواهر والإشكاليات: كقضايا السياسة، والمرأة، والجريمة، والتربية، وإشكاليات المراهقين، والفساد وشبكات المافيا، والهوية الجنسية، والمهاجرين.. كل ذلك بسقف عالٍ من الحرية وبشكل مبتكر وعميق.

لنعترف بداية أننا كمجتمعات محكومة بضوابط قيمية محددة، لدينا تحفظنا على هامش الحرية المتاح لهذه الدراما، ما يجعلها لا ترتقي للمشاهدة العائلية، إلا أن تفوقها الفني فيما عدا ذلك لا يجادل، والذي يعود لعدة عوامل، أهمها الإمكانيات الإنتاجية الضخمة، سقف الحرية الإبداعية للكتّاب والمخرجين، بالإضافة إلى التفاعل مع قضايا اجتماعية مؤثرة وواقعية.

فمنذ بداية الألفية الجديدة، شهدت صناعة الدراما الإسبانية التي لم يكن المشاهد العربي على اطلاع عليها إلا نادراً، تطوراً كبيراً في الإمكانيات التقنية، هذه الإمكانيات أتاحت للكتّاب والمخرجين إنتاج أعمال تتسم بالجودة العالية من حيث المظهر الفني.

مما جعل العديد من المسلسلات الإسبانية تحظى بشعبية واسعة ليس في إسبانيا فقط، بل على مستوى عالمي (فمسلسل «سرقة بيت المال» تحول في سنة عرضه للمسلسل رقم واحد من حيث المشاهدة على مستوى العالم).

لقد فرضت هذه الدراما نفسها على مستوى العالم كمنتج يستحق الثقة، ما يعني أنها يمكن أن تنافس وبجدارة على جوائز التفوق، وفي سوق الإعلانات الضخم، ما يطرح إشكالية الأعمال العربية والخليجية المتواضعة المستوى، والتي يحول ضعفها دون وصولها للمستوى العالمي الذي يؤهلها للحصول على فرص للتعاون مع مؤسسات الإنتاج والمنصات العالمية، مما يمنحها موارد مالية إضافية للوصول إلى جمهور أوسع.

لماذا يعتبر سقف الحرية عاملاً حاسماً في تناول القضايا، إعلامياً ودرامياً؟ في الحقيقة تعد الحرية عاملاً فاصلاً في معالجة المواضيع الشائكة، خاصة حين نتحدث عن تناول الموضوعات الجريئة والمثيرة للجدل، فحين تقل تعقيدات الرقابة على الفنون والإعلام، يستطيع الكتّاب وصناع الأفلام والدراما التصدي لقضايا اجتماعية حساسة مثل نقد الفساد، قضايا الهوية الجنسية، العنف، الهجرة، الطبقات الاجتماعية، والجريمة، ونقد المجتمع والصراعات الحاصلة داخله!