من منا لم يجرح في طفولته؟ ومن هو هذا الذي لم تبقَ جروح طفولته غائرة في أعماق نفسه عصية على النسيان والتعافي، حتى مع كل محاولات التجاهل وإظهار اللامبالاة وغير ذلك؟

والمسألة لا علاقة لها بما نحن عليه اليوم من وعي وقدرة على التقبل والاحتمال، المسألة تعود إلى سنوات بعيدة جداً قد تصل إلى سبعين سنة! نعم، فحتى وهي في عمر الثامنة والسبعين، وبينها وبين سنوات طفولتها زمن بعيد جداً، إلا أن سؤالاً كاشفاً استطاع أن يرفع الغطاء وينكأ جراح تلك الطفولة!

لم تتمالك تلك السيدة نفسها أثناء المقابلة التي أجريت معها، فاغرورقت عيناها بالدموع وهي تتحسس تلك الجروح وترويها بوعي امرأة في نهايات عقدها السابع، لكن بقلب طفلة صغيرة في السابعة لم تعش طفولتها كما يجب!

في طفولتها كان على الطفلة (نونا) أن تغني وترقص وتقلد وتفعل كل ما يمكن أن يدخل البهجة على الآخرين مقابل أجر تتقاضاه وتتسلمه والدتها لتنفق منه على البيت وعلى إخوة تلك الطفلة التي ستكبر فيما بعد ويصبح اسمها لبلبة، الفنانة الاستعراضية المصرية التي حُرمت في طفولتها من طفولتها ومن الاستمتاع بشراء أي شيء تحبه، حيث كان يقال لها إن ما تحصل عليه من عملها هو لأجل العائلة، لا لكي تنفق على نفسها ومظهرها، وكان عليها أن تقبل وتسكت!

لذلك يؤكد علماء وأطباء النفس أن جروح الطفولة تبقى تاركة أثراً عميقاً في شخصية الإنسان وطبيعة نفسيته، وأن هذه الجروح لا تختفي مع مرور الوقت وحده، بل تظل تؤثر في سلوكياته وعلاقاته طوال حياته إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.

جروح الطفولة تتمثل أولاً في استغلال الطفل، وإلغاء طفولته، وحرمانه، وإهماله، والإساءة إليه، وفي غياب التعاطف معه وتشجيعه وتقديم كل الدعم النفسي المناسب حين يمر بمواقف أكبر من قدرته على احتمالها أو استيعابها:

كالفشل الدراسي، وعدم القدرة على التعامل مع بيئة المدرسة، أو التعرض للتنمر والسخرية، ما يجعله يعاني من صراعات داخلية، ومن قلق، واكتئاب، أو مشاكل في الثقة بالنفس والعلاقات مع الآخرين.. لنتخيل طفلاً يعاني كل ذلك دون أن يشعر به أحد؟!