أكثر ما نحاول تجاهله، وإشاحة أعيننا بعيداً عنه وكأنه شيء غير مهم أو غير موجود، هو أنفسنا، وتحديداً ذلك الجزء المجروح فينا، وأن أكثر فترات حياتنا التي تعرضنا فيها للجروح والكدمات هي طفولتنا، لذلك فجروح الطفولة هذه صعبة ومؤلمة، لأنها تبقى عالقة في الداخل لا تنسى بمرور الزمن ولا تشفى بالتقادم!
لماذا الطفولة تحديداً؟ لأن الطفل كائن ضعيف، يفتقد كل الأدوات والأسلحة التي تعينه على الدفاع عن نفسه، وفهم الأخطار المحدقة به، وتصور مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحق به نتيجة تعديات الكبار عليه، لذلك يظل في حاجة دائمة لحماية الوالدين والأسرة، ولذلك فإن الإهمال هو أول الجرائم التي ترتكب في حقه! يتعرض الطفل دون غيره للضرب لأنه لا يستطيع رد الأذى أو الدفاع عن نفسه، كما يتعرض للسخرية والتنمر والتحرش والاغتصاب والاستغلال وسوء المعاملة والتمييز والحرمان في سن مبكرة جداً وفي غياب الوالدين وخجله، إضافة لخوفه من الاعتراف لوالديه بما يتعرض له، صور الأذى هذه تقع عليه من داخل أسرته أولاً، ثم تتسع دائرة المعتدين لتشمل أصدقاء الأسرة وخدم المنزل والأقرباء من الدرجة الأولى، وأصدقاء المدرسة ورفاق اللعب والمعلمين وصولاً للغرباء المصابين بدورهم بلوثات واختلالات شخصية ونفسية!
يحتاج هؤلاء الساعون للشفاء من جراح الطفولة العميقة إلى العلاج النفسي، كالعلاج بالكلام مع مختص نفسي، أو باستخدام تقنيات العلاج السلوكي المعرفي الذي يعدّل طرق وأساليب الإنسان في التفسير والنظر إلى الأزمة التي تعرض لها، وبدل أن يتحول إلى متنمر لأنه تعرض للتنمر، أو يكره نفسه أو يعتزل العالم لأنه تعرض للاغتصاب مثلاً، يساعده هذا العلاج على معرفة الطرق السليمة للتفكير، إضافة لتطوير طرق بديلة للتصرف بهدف التخفيف من محنته.
كما يحتاجون لمعالجة هذه الجروح القديمة وتحقيق شفاء جزئي أو كلي إلى فهم ما حدث في الماضي لا إلى نسيانه، كذلك فهم التأثيرات التي تركتها تلك الجروح على حياتهم الحالية.
الأهم من ذلك هو أن الوقت وحده لا يمكن أن يشفي الجروح النفسية.
الشفاء يتطلب التفهم، العلاج، والجهد المستمر لفهم الذات والتعامل مع المشاعر والتجارب المؤلمة، وهي رحلة استشفاء ليست سهلة وليست قصيرة كذلك.