تتضاءل إمكانية بناء علاقات حقيقية أو موثوقة عبر مواقع التواصل؛ بسبب الزيف الظاهر الذي يملأ هذه المواقع، فالعلاقات فيها تتسم في غالبيتها بالسطحية، حيث يكون التفاعل مقتصراً على الرسائل النصية أو التعليقات العابرة، دون أن يكون هناك فرصة لبناء تواصل مباشر وعميق، حتى وإن كانت هذه العلاقات تتمحور حول نفس الاهتمامات أو الميول، فإن نقص التواصل وجهاً لوجه وعلى محكات اختبار مرئية، يجعل من الصعب تحديد مدى صدق الآخرين!

مع ذلك، لا يمكن القول إن كل العلاقات على الـ«سوشال ميديا» زائفة، أو غير حقيقية. هناك بالتأكيد العديد من الأشخاص الذين يقدرون الصدق، ويبحثون عن روابط حقيقية في هذا الفضاء الرقمي. فبعض العلاقات التي تنشأ عبر الإنترنت قد تتحول إلى صداقات قوية ومؤثرة، قد يتطور فيها التفاهم والاحترام بمرور الوقت.

لكن بناء هذه العلاقات يتطلب وقتاً وجهداً أكبر، إذ يجب أن يتمكن الأفراد من تجاوز الطبقات السطحية، وأن يكونوا مستعدين للمشاركة بصراحة وأمانة في التعبير عن أنفسهم. وعن نفسي فإن لدي تجارب في هذا الاتجاه أعتز بها كثيراً.

من ناحية أخرى، هنالك أيضاً مخاطر حقيقية قد تصاحب التفاعل على الـ«سوشال ميديا». فقد نواجه الأشخاص الذين يتلاعبون بمشاعرنا، أو يختبئون وراء هويات مزيفة لتحقيق أغراض شخصية، مثل الابتزاز أو التضليل. في بعض الأحيان، قد يصعب على الشخص التمييز بين الصدق والكذب، خاصة عندما يكون الطرف الآخر ماهراً في خلق صورة جذابة لنفسه، لا تتطابق مع الواقع. يمكن أن يكون هذا التلاعب مؤذياً، خصوصاً في العلاقات التي تتضمن مشاعر عاطفية أو مشاركة معلومات حساسة.

لكن في الوقت نفسه، لا يمكننا إغفال وعي الإنسان وتجاربه الحياتية، كما لا يمكننا إلغاء نوعية التربية التي تلقاها والمعرفة والتعليم والثقافة، فهذه كلها لا بد أن تلعب دورها في إدراك الإنسان للمخاطر المختبئة خلف الكلام المعسول والوجوه الجذابة، إنه يحتاج لأن يكون صريحاً في تعاملاته، وحريصاً في الوقت نفسه على التفاعل مع من يبدون جادين وصادقين في رغبتهم في بناء علاقة حقيقية، مع الانتباه دائماً إلى أن الثقة لا تأتي من التفاعلات السطحية، أو الكلمات الجميلة، بل من الأفعال المستمرة والمواقف التي تظهر صدق الشخص عبر الزمن.