ليس كل ما يُكتب على صفحات الفيسبوك أو غيرها من مواقع التواصل، يصح تسميته بالكلام الفارغ، بل على العكس، فهناك صفحات وأشخاص يطرحون موضوعات وأفكاراً وقضايا في منتهى الأهمية والحساسية والضرورة، ليس هذا فقط، ولكنهم يناقشونها بشكل جريء ومتزن ومتفهم، ما يعني أن هؤلاء ينتمون لفئة الناضجين، وأصحاب الخبرات الحياتية الغنية والعميقة، التي تستحق أن نتوقف عندها ونناقشها، فقد نلتقي معها حرفياً، وقد نتقاطع في بعض السكك والفواصل!

هذه التجارب التي يحكيها البعض، يمكننا وصفها بأنها غنية وعميقة، دون مبالغة، نظراً لتشابكاتها واتصالها بالمعنى الحقيقي لوجود الإنسان وكفاحه ومعاناته وأسئلته في هذه الحياة، لذلك لا يجوز تجاهلها أو تسفيهها، فقط لأننا اعتدنا على قراءة الموضوعات السطحية التي لا تثير الأسئلة، إن من يطرح موضوعات رصينة، هو بالتأكيد شخص ينتمي لبيئة وثقافة وتربية وتعليم رفيع، كما أنه يتمتع بدرجة لافتة من الحرية.

واحدة من السيدات كتبت منشوراً على صفحتها على الفيسبوك، تقول فيه إنها قرأت خبراً يفيد باختيار الممثلة التونسية الأصل (هند صبري)، ضمن قائمة أكثر 100 امرأة مؤثرة على مستوى العالم لعام 2024، هذه المرأة تتساءل عن الأسس التي تم اعتمادها في تصنيف الشخص (المؤثر على مستوى العالم)، وبالتالي، القواعد التي على أساسها تم الاختيار، طارحة سؤالاً مفاده، ما الأثر العظيم الذي يجعل هند صبري كممثلة عادية، في قائمة أكثر النساء تأثيراً؟ في أي شيء أثّرت وكيف؟.

هل هناك ممن اختار تلك الممثلة أو الإعلامية المشهورة، سأل نفسه أو تخيل مقدار الجهد الذي تبذله النساء العاملات والفلاحات وربات البيوت، المعاناة التي يعبرنها ليقمن بواجبات الوظيفة والتربية والأمومة وخدمة البيت وواجبات الزوجة؟ كم يتحملن، كم يبذلن؟ مقدار الأرق والسهر والتفكير والضغوطات النفسية، أليس هؤلاء هن الأكثر تأثيراً في حياة أسرهن وأبنائهن ومجتمعاتهن؟

لو أنني قارنت ما قدمته وبذلته أم من أمهاتنا خلال حياتها، وما قدمته للحياة والمجتمع، مع ما قدمته وبذلته هند صبري أو فلانة أو علانة من الفنانات، سنجد مقداراً هائلاً من الفروقات، ومن التجاهل والتهميش لأصحاب العطاء الحقيقيين في كل مجال!