كتب الروائي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز، يصف شاعر تشيلي بأنه (أفضل شعراء القرن العشرين وفي جميع لغات العالم)، هذا الشاعر الذي قال عنه أحد النقاد الغربيين (لا يمكن مقارنة أي من شعراء الغرب بهذا الشاعر الذي سبق زمانه)، حين سئل لماذا تكتب الشعر يا نيرودا، أجاب: كي أغيّر حياة الفقراء!
مات بابلو نيرودا دون أن تتغير حياة الفقراء في زمنه، لكنه حاول كثيراً أن يرسم طريقاً مختلفاً لفقراء بلاده ولبلاده تشيلي، بعيداً عن الطغيان والفساد، إلا أن الانقلابيين الذين قتلوا سلفادور الليندي، عادوا مرة أخرى ليسرقوا أحلام الفقراء.
ربما لا تتحقق أحلامنا وطموحاتنا، ذلك ليس تقصيراً من أحد، ولا خللاً في الزمن، فمن المهم أن أصحاب مشروع التغيير قد حاولوا قدر استطاعتهم، وفي منطق التغيير، عليك أن تسعى، وليس عليك ضمان النجاح! فأن تغير شيئاً لأجل الآخرين، ذلك أمنية الحالمين، وطريق لا يختاره كل الناس، لأنه صعب، لا لشيء آخر!
منذ أكثر من 15 عاماً، حين سألتُ سيدة متزوجة ولديها أبناء وأسرة جميلة، عن سبب تبنّيها طفلاً آخر تضيفه إلى أسرتها؟ فكانت إجابتها: كي أغيّر حياته، كأن أمنحه فرصة أن يتعلم بشكل أفضل، وأن يعيش وسط عائلة، وأن أمنحه أسرة تحبه ويحبها، ذلك أفضل كثيراً من الحياة في دار لرعاية الأيتام.
حين نفّذ ديكتاتور تشيلي (بينوشيه) انقلابه ضد شرعية الرئيس المنتخب سلفادور الليندي عام 1973، كانت سيدة جميلة تبزغ في دنيا الأدب، كزهرة حلوة تنمو في حديقة تشيلي، سيكون لها مستقبل عظيم، وستتغير حياتها بسبب هذا الانقلاب، إنها إيزابيل الليندي، التي تركت بلادها احتجاجاً على ما حدث، لتستقر في كاليفورنيا، ولتمنحها أمريكا فرصة حياة جديدة، ومجد الكتابة!
ربما تغيرت حياتها، أو تغيرت حياة من تكتب لهم، لكنها من المؤكد أصبحت واحدة من الأدباء الذين وضعوا تشيلي على خريطة الأدب العالمي، مثل نيرودا. والحقيقة، فإن مجد الكتابة لا يتحقق بالجوائز العالمية والشهرة فقط، يقول أنيس منصور (أن تؤلف كتاباً، وأن يقتنيه غريب في مدينة غريبة ويقرأه ليلاً، فيختلج قلبه لسطرٍ يشبه حياته، ذلك هو مجد الكتابة).