Al Bayan

أخطاء بشرية متوارثة

حسب الفيلسوف الروماني القديم «شيشرون» فإن البشرية خلال مسيرتها الطويلة ترتكب الأخطاء نفسها وتتوارثها جيلاً بعد جيل، وقرناً إثر قرن، ولا يزال الآباء والأمهات يطلبون من أبنائهم التفكير والعمل والحياة بطريقتهم، وهي الطريقة التي ورثوها عن آبائهم، الذين ورثوها بدورهم عن آبائهم وهكذا، فتجد الآباء في المكسيك وفي إيطاليا، كما في اليابان والسعودية، وفي أي مكان آخر، يغضبون من أبنائهم لأسباب تكاد تكون هي نفسها، لماذا لم يتخصص في مجال الطب مثله ومثل جده كما خطط له، لماذا لا يسير على نهجه في عالم الأعمال والتجارة، ويدير أعمال العائلة، إذا كان تاجراً، لماذا لم يتزوج الفتاة التي اختارها له، لماذا يريد أن تكون له حياته الخاصة؟

لطالما اختلف الأبناء مع آبائهم، ويصل الأمر لأن يترك الابن المنزل، ويكابر الأب في إعادته، وتظل الأم ممزقة بين ابنها الذي يريد أن تكون شخصيته مستقلة عن والده وجده وبين زوجها، الذي يصر على أن يعيش الأولاد كما يريد هو: مرتدين جلبابه، ومكررين نمط شخصيات رجال العائلة!

إن محاولة إجبار الآخرين على الإيمان بما نؤمن به والعيش، كما نفعل نحن، واحدة من خطايا البشر، التي يصرون عليها، دون مراجعة أنفسهم، وإدراك فلسفة العبث الكامنة فيها، فأن تفرض على الآخرين أن يفكروا مثلما تفكر، ويعيشوا كما تعيش، ويؤمنوا بذات القناعات، لأمر مستحيل، وهو منهج لا يقود لغير الشقاء، فإن استجاب الآخرون شقَوا بفعل أمور عن غير قناعة، وإن لم يستجيبوا شقَوا كذلك، لأن الصراعات والخلافات والقطيعة لا تقود لغير ذلك!

عندما كنا على أعتاب الجامعة، عرفنا الكثير من الزميلات اللاتي تخصصن في مجالات لم تكن من ضمن اهتماماتهن، لكنهن أجبرن أنفسهن عليها إرضاء وخضوعاً للوالدين، وبعضهن درسن تخصصات أخفينها عن الأهل تجنباً للنقمة، والأمر لا يقتصر على التخصصات العلمية، بل يمتد للوظائف والزواج وطريقة المعيشة واللباس، ونوع الأصدقاء وأسماء الأبناء و.. إلخ، فإلى متى؟

إن لكل منا حياة واحدة، لا بد أن يعيشها كما يريد هو، لا كما يريد غيره، فلا أحد يعيش نيابة عن الآخرين!