فيلم (قطار الأطفال) مثال جيد لفهم الوجه الآخر للتاريخ، أياً كان هذا التاريخ، ففي كل الحروب التي تخوضها الدول ضد بعضها، تتولى الجيوش حسم النتائج، بالنصر أو الخسارة بعد أشهر أو سنوات من الصدامات والمواجهات الدامية بين جميع الأطراف، ثم فجأة، وبعد أن يصاب الجميع بالإنهاك التام، أو يصل أحد الأطراف للتفوق الحاسم، تصمت أصوات القذائف والمدافع وأزيز الطائرات، ويعلن وقف إطلاق النار ونهاية الحرب!
لكن ماذا عن الناس في تلك الدول والمدن والقرى والحارات والأزقة؟ ماذا عن النساء والأطفال والعجائز؟ ماذا عن الفقر والحاجة وانعدام الطعام والكساء والعمل؟ ماذا عن الوجه القبيح للحرب ولما بعد الحرب؟
تدور أحداث فيلم (قطار الأطفال) الذي صدر هذا العام 2024 حول الطفل أميريغو، ذي الثمانية أعوام، والذي يعيش في إحدى حارات نابولي بجنوب إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية 1946، حيث كل شيء شحيح أو مفتقد: المال والطعام والثياب والعمل، لذا؛ وفي محاولة يائسة لتوفير حياة أفضل له، ترسله والدته مثل أمهات كثيرات إلى شمال إيطاليا في قطار يطلق عليه قطار الأمل، كجزء من برنامج يديره الشيوعيون لإقامة منزلية يتمتع بها الأطفال، ويتلقون المبادئ الشيوعية. يبقى الأطفال مع الأسر الشمالية لمدة عام، ويتم توفير الطعام والمأوى لهم، بل وتتاح لهم الفرصة لتعلم مهنة تعتمد على مهنة الشخص الذي يستضيفهم.
القصة يرويها أميريغو نفسه، ورؤية هذا الوجود المجهول من خلال عيون طفل يبلغ من العمر 8 سنوات أمر لطيف في بعض الأحيان، ومحزن للغاية في أحيان أخرى. يرى المشاهد من خلال عيني أميريغو البؤس الذي يعيشه الناس، والخوف الذي يأتي من الغربة والتحديات، فنرى المشاعر وردود الفعل على كل ما يجري بعيون ومشاعر وصوت طفل.
تتغير حياة أميريغو بعد تلك التجربة، ويختل عالمه وعلاقته بوالدته وبواقعه الذي لطالما ارتبط به وأحبه رغم بؤسه. هناك وعي جديد تأسس في داخله، وعالم آخر رآه، ومشاعر جديدة اكتشفها وجربها.
الفيلم مثير للتفكير، وهو مبني على رواية للكاتبة الإيطالية فيولا أردونيه المولودة عام 1974 في نابولي. ترجمت الرواية إلى 25 لغة ومنها العربية.