أتذكر أنني منذ سنوات بعيدة، كتبت مقالاً حول موت القط زعتر، وهو قط يعود لسيدة تعرفت عليها ذات صيف في أحد منتجعات التشيك، جمعتنا جلسات وأحاديث، تحدثت خلالها واستفاضت حول قطها الذي وجدته ذات يوم أمام باب بيتها، فأدخلته وأطعمته حتى أصبح جزءاً من البيت ومن حياتها، ولقد أحببت زعتر من خلال حديث صاحبته عنه.

وفي صباح آخر من صباحات تلك القرية الوادعة، جاءت إلينا تلك السيدة تكاد تنهار من البكاء، فقد أخبرتها مسؤولة الدار الذي أودعت فيه زعتر أنه مات! ويومها حزنت كثيراً، وأحسست أن شخصاً أعرفه قد مات وحيداً وبعيداً عن صاحبته.

يومها أضمرت في نفسي أنني سأقتني قطاً بمجرد عودتي لدبي، بعد أن كتبت مقالاً عبرت فيه عن فكرة أن الحياة ليست ملكاً لجنس، وأنها أوسع مما نتصور، وهي جميلة حد اللامعقول؛ لأننا نعيشها بأفكار مختلفة، ونؤثثها بالرحمة والمحبة، ونتشاركها مع مخلوقات الله الكثيرة والضعيفة والحميمة.

وأذكر أن أحدهم هاجم المقال لأنه وجده من وجهة نظره فارغاً وتافهاً ولا معنى له، وبدوري لم أرد عليه؛ لأن تلك كانت وجهة نظره، وهو حر فيها، ولأنني مؤمنة أننا في الحياة نرى الغابة، بينما يكتفي غيرنا برؤية الشجرة فقط! المهم في كل ذلك أنني لم أقتنِ القط، كما أنني قد نسيت حكايته في زحام حكايات الحياة والكتابة والصحافة، حتى جاءت أيام كورونا - لا أعادها الله - وانتعشت فكرة اقتناء الحيوانات الأليفة كآلية دفاع ذاتية ضد العزلة والحجر والوحدة.

المهم كذلك، فيما يخص الاعتراض على المقال حول زعتر، أننا ككتاب نواجه تحدياً يومياً لا يعانيه أحد مثلنا، فالكل يذهب لعمله وهو يعلم تماماً مسؤوليات وظيفته وما عليه القيام به يومياً، باستثناء الكاتب، الذي عليه أن يخترع كل يوم فكرة بطريقة أو بأخرى، فيجلس كقط فارسي يبدو مغروراً ومنعزلاً، لكنه متدثر بالكسل ينتظر فكرته!

يراقب الكاتب منا الحياة من أوسع أبوابها وأضيقها بانتظار تلك الفكرة التي يكتبها في نهاية اليوم؛ لتقرأ وتثير الأسئلة، لا ليقول له أحدهم ما الذي عليه أن يكتبه وما عليه أن يتحاشاه!