عندما ظهر الإنترنت واستحوذ على اهتمام الجماهير تخوفت أطراف كثيرة من إمداداته وتأثيراته الأخلاقية والنفسية والثقافية سواء على الشباب والمراهقين أو على الأطفال وتغيير أنماط سلوكياتهم واهتماماتهم وطبيعة المواد التي يمكنهم الوصول إليها في ظل صعوبة الرقابة على المحتوى الضخم من المواد والأفلام المتاحة للجميع دون استثناء، نتيجة للمطالبات الحثيثة والشرسة التي تبنتها الولايات المتحدة والتي حملت شعار التدفق الحر للأنباء والمعلومات!
بعد الإنترنت جاءت مرحلة الهواتف الذكية والتطبيقات والنشر الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي هزت عرش الثقافة والإعلام التقليدي (الكتاب الورقي، الإذاعة والتلفزيون) وهنا يلفت النظر بشكل واضح أن الإعلام الرسمي أو التقليدي لم يتحرك بالشكل المطلوب والذي يتناسب مع حجم التحدي الوجودي الذي يواجهه، فهذا الإعلام لا يواجه منافسة عادية، إنه يقف في ساحة صراع مع طرف شرس وقوي ومؤثر بشكل كاسح، ما يؤهله حتماً لسحب البساط من تحت أقدام حراس المدرسة القديمة والمحافظة للإعلام التقليدي.
لذلك نقول إن هذا الإعلام والصحافة تحديداً لم تقدم بدائل حقيقية تنقذ بها نفسها من خطر الهزيمة المتوقعة أمام الإعلام الاجتماعي الحديث أو الإعلام الذكي، إعلام يصنع فيه أي شخص خبراً بمنتهى السهولة دون آليات أو إجراءات أو أخلاقيات دقة، إنه الخبر الذي يتسق تماماً مع سمة السرعة والمباشرة والتدفق الحر للأخبار دون تمحيص!
التحدي لا يكون بالوجود كمواقع إلكترونية طبق الأصل من النسخة الورقية، نعم هذه خدمة يستفيد منها ملايين القراء، لكن ما الذي تستفيده الصحف بشكل حقيقي؟ أن توجد فقط؟ سيكون ذلك قمة الهزيمة في لحظة قادمة لو لم تتغير توجهات الصحافة نفسها، لو لم تتغير الخدمات والأشكال التقليدية للمحتوى، وما لم يعد القائمون على أمر الصحافة النظر في هذا السؤال: أيهما أكثر أهمية وإقبالاً بالنسبة للقراء: الخبر أم خدمات أخرى؟ فالخبر يعرفه القارئ لحظة حدوثه، أما الرأي والتحليل والصحافة الاستقصائية والخدمات التي تهم الجمهور هي ما يمكن للصحف أن تتفوق فيه وتنافس وتثبت أهليتها للاستمرار والبقاء!!
هذا ما يجب أن يفكر فيه الصحفيون، وليضعوا هذه المطاردات لمصادر الأخبار الرسمية جانباً، ذلك أن كل ما نقرؤه صباحاً كنا قد أعدنا قراءته مراراً قبل أن نأوي إلى فراشنا في الثانية عشرة مساء!!