يعيدني كلُّ يوم في معرض الكتاب لبداية الحكاية في رحلتي الطويلة مع الكتب والقراءة، فأتذكر بدايات الرحلة وتاريخ العلاقة، وأستعيد التفاصيل وأنا أقطع الدقائق السبع مشياً من موقف السيارات إلى القاعة رقم 9 التي يحتل واجهتها الخارجية مقهى كبير متمدد على مساحة واسعة، يحسده عليها معظم الناشرين العرب الذين يطمحون إلى مساحة باذخة كهذه، فلا يقدرون على تحمّل تكلفتها، لأن كلفة المشاركة في معارض الكتب باهظة جداً في موازاة حصيلة المبيعات الشحيحة.
الناشرون وباعة الكتب يعرفون تماماً أن ما يتحصل عليه المقهى من بيع أكواب القهوة الأمريكية أو الكابتشينو بضع ساعات من اليوم يوازي ما يمكنهم تحقيقه طيلة أيام المعرض، ومع ذلك فإنهم يصرون على المضي في طريقهم دون أن يلتفت إليهم أحد بقليل من التعاطف الحقيقي!
أستعيد تفاصيل الحكاية دون أن أعرف أو يفسر لي أحد لماذا بدأتُ بكتب الأدب الروسي تحديداً، سوى ما فسرته لنفسي بطريقة مبسطة، وهي أن تلك الروايات التي تحمل عناوين غريبة وأسماء مؤلفين بالكاد كنت أستطيع تهجئتها هي الأكثر توافراً في مكتبات دبي في تلك السنوات، يوم كنا بالكاد نضع أقدامنا على أولى عتبات المراهقة.
أتذكر ذلك اليوم الذي دخلت فيه مكتبة دار الحكمة في ميدان جمال عبد الناصر (بني ياس حالياً)، وتناولت بالمصادفة رواية «أنا كارنينا»، فوجدت سعرها مناسباً لمصروفي، وحين فتحت الصفحة الأولى قرأت العبارة التي يقول فيها تولستوي: «العائلات السعيدة متشابهة، ولكنّ العائلات التعيسة تعيسة على طريقتها الخاصّة!». كانت الجملة باهرة على نحو جعلني أشعر بالرضا وأقرر شراء الرواية، عرفت لحظتها أن هذا الكاتب سيمنحني قراءة مختلفة إلى جانب المتعة اللغوية، فقد كنت متيّمة بالعربية منذ زمن مبكر!
بعدها صار تولستوي رفيق وقتي، فقرأت له كل ما وجدته في تلك المكتبة، ثم انتقلت إلى العظيم الآخر ديستويفسكي، ومكسيم غوركي وغوغول و… كان الروس وما زالوا أعظم من كتب الرواية من وجهة نظري.