لماذا يحب الناس في معظمهم، حتى لا نقول جميعهم، تناول الطعام في المطاعم أكثر من تناوله في البيت؟ لماذا يسعد الشخص عندما توجه له دعوة طعام في مطعم جديد أو مشهور أو فاخر أو ترتاده نخبة المجتمع؟ لأن الطعام في المطاعم أفضل بكثير بسبب الطهاة المحترفين والمتخصصين، كما أن هناك مطاعم تضم طهاة يمثلون مطابخ متعددة أي أنها تمتلك طاهياً من المطبخ الهندي وآخر من المطبخ الإيطالي أو الإيراني أو التركي أو المغربي.. وهذا يعني غنى وتنوع قائمة الطعام في مثل هذا المطعم، ناهيك عن تميزه وتفرد رواده!
إن الذهاب لتناول الطعام مع بعض الأصدقاء في أحد المطاعم المميزة يعني تجربة طعام مختلفة وجديدة، كما تمثل نوعاً من التغيير يكسر رتابة السيناريو التقليدي المتمثل في تناول الوجبات بانتظام في المنزل، حيث تجلس إلى نفس طاولة الطعام، في نفس الغرفة، لتحدق في نفس اللوحة المعلقة خلف ظهر زوجك أو ابنك، ولتتناول الطعام الذي سبق وتناولته آلاف المرات في وجبات الغداء والعشاء!
إن تكرار مشهد وسلوكيات تناول الطعام في البيت بألوانه وأصواته وروائحه يشكل في حقيقة الأمر أحد أكبر الدوافع التي تقود خطوات الناس إلى مطاعم سيحلفون لك لاحقاً أنهم تناولوا فيها ألذ الأطعمة، مع أن الحقيقة خلاف ذلك، لكن قاتل الله الرتابة والتكرار والملل، الذي يجعلنا ندافع عن الهامبرجر والبطاطا المقلية كأننا ندافع عن طبق طعام قدمه لنا نادل أنيق في مطعم (لو تران بلو) في باريس!
إن الإصرار على زيارة أحد المطاعم ذات الصيت والشهرة، لا يقتصر على الرغبة في تناول طبق يسد الجوع، ولكن زيارة المطعم هنا تشكل هدفاً بحد ذاته، كما لو أنك ذاهب لزيارة متحف اللوڤر أو قصر الشتاء الإمبراطوري في سانت بطرسبرغ أو حدائق قصر باكينغهام الملكية، ذلك أن بعض المطاعم تصنف كآثار تاريخية فعلاً، يرجع السبب في ذلك لقدمها كمطعم (لو تران بلو) الذي افتتح عام 1901، وكمطعم (مكسيم) الذي كان يجهز الطعام لحفلات إمبراطور إيران مثلاً، وكالمطاعم التي شهدت تصوير بعض الأفلام المشهورة أو ارتادتها شخصيات فنية وملكية أسطورية!