ليس لدي شك في أن الأعمال الدرامية ذات الصبغة التاريخية التي تستند إما إلى وقائع حقيقية فاصلة في التاريخ أو شخصيات ذات أثر (سواء عاشت في العصر الإسلامي الأول أو في الفترة ما قبل الإسلام)، لا يتم اختيارها والإنفاق عليها اعتباطاً أو دونما هدف وغاية، ولكن لتوجيه رسالة وتحقيق غاية محددة، هذا الأمر بدأ مع أول النتاجات البسيطة في الأفلام المصرية بالأبيض والأسود حول بداية الدعوة وحادث الهجرة والمعارك الكبرى وفتح مكة... إلخ.

العمل الدرامي أو المسلسل هو في النهاية عمل تخيلي، ليس وثيقة ولا مستنداً تاريخيّاً يصح الاستناد إليها أو الاعتماد على ما فيه، وصناع العمل حين يعرضون سيرة معاوية من خلال مراجع تاريخيّة اعتمد عليها كتاب النص فإنهم بلا شك قد مزجوا كتابتهم بالخيال والأهواء الشخصية، وهذا هو السبب في أن المسلسل لا يعتمد عليه في فهم وقراءة ومحاكمة الحدث أو الشخصية كالرواية والفيلم تماماً.

لذلك فالذين يسخرون ويتهكمون ويشككون في العديد من التفصيلات التاريخية التي عرضت في مسلسل (معاوية) كشخصيّة معاوية بن أبي سفيان، ونشأته، ومشروعه السياسي، ساخرين من استحالة أن تمتلك والدته (هند بنت عتبة) سريراً باذخاً وملابس حريرية (وكأن هند بنت عتبة ابنة أحد الخدم في مكة وليست زوجة أبي سفيان أغنى أغنياء قريش).. هؤلاء يحتاجون أن يقرؤوا أولاً ثم يأتون للكتابة والنقد.

لذلك يحق لنا ونحن نقرأ تدوينات هؤلاء أن نسأل: ماذا تعرفون حقاً عن معاوية بن أبي سفيان؟ ماذا قرأتم حوله من كتب الثقات وعلماء السير والأحاديث والتاريخ؟ ماذا قرأتم عن عصره والفتن التي حدثت والشخصيات التي حركت الأحداث والمؤامرات التي حيكت والدماء التي سالت وأولها دم الخليفة عثمان بن عفان زمن الفتنة الكبرى؟

الذين يشاهدون مسلسلاً نصفه اقتباس ونصفه خيال، ثم يحكمون على شخصية أحد أهم شخصيات التاريخ دون دراسة أو علم أو سند أو أدلة أو إثباتات، لا يفعلون شيئاً سوى نشر غوغائية التفكير لا أكثر! لأن ناقد التاريخ لا بدّ له من منهج عقلاني علمي جاد يركن إلى الأسانيد الصحيحة والمراجع والكتب لإثبات موقفه وصحة رأيه.