من السهل أن تعطي نصائح للآخرين، من السهل جداً أن تكرر كلاماً وعبارات ومحفوظات سمعتها يوماً من معلميك، والشيوخ الأجلاء في عائلتك عندما كنت صبياً مراهقاً، ومن السهل كذلك أن تقول لشخص هذا لا يجوز، وهذا خطأ، وهذا وهكذا، لأنك تعتقد كذلك، دون أن تختبر الخطأ وتعرف ماهية الصواب، ودون أن تطحنك الحياة تحت عجلات أحداثها وصدماتها.
إننا بلا تلك التجارب والخبرات، كائنات رخوة أو هشة، وربما فارغة، نحن بلا خبرات حقيقية نفتح أعيننا على اتساعها عند كل منعطف، وقلوبنا على آلامها، ونفوسنا على ما جبلت عليه من تقوى وفجور، وما لم تعرف هذه النفس حقيقتها وحقيقة المعرفة، فإنها تظل أشبه بصندوق خالٍ، أو برميل فارغ، يسمع دويّه عن بعد إذا تدحرج على أية أرض صلبة!
ونحن إذ نقرأ ونستمع وننصت لدروس يلقيها بعض الذين خبروا الحياة الطويلة في أي مكان في العالم، فإنما نعيش تلك الأزمنة التي لم يمنحنا القدر الفرصة لنكون خلالها ونرى ما كان من أمر أهلها وأمرها، فكلّ حياة طويلة عادة ما ترتبط بمعدل عظيم من الخبرات التي يطلق عليها البشر بعد زمن (حكمة) تصير من مرجعيات البشر في أمكنة وأزمنة ممتدة فيما بعد، فإذا عاش الإنسان 100 عام، فإن الأمر يتجاوز الطرافة والدهشة.
إنهم أكثر من فلاسفة وحكماء أولئك الذين عاشوا أكثر من 100 عام من عمر البشر، هل تدري لماذا؟ لأن نهر الزمن الهادر الذي لا يمكن لشيء أن يوقفه، لا يقذفنا بالأحداث والتقلبات الكبرى فقط، ولكنه يغير أنماط حياتنا في كل شيء، إننا اليوم في سنوات لا تشبه سنوات التسعينيات في شيء، ولا سنوات السبعينيات، فما بالك بالسنوات الأولى من القرن العشرين.
والآن لنتأمل شخصاً عاش هذا القرن كله، كم جرب من أنماط حياة وعلاقات وطرق عيش وأنساق تفكير وقناعات وتعلم... هؤلاء الأشخاص الذين عاشوا هذه الحياة الطويلة هم من يحق لهم أن يكتبوا دروس حياتهم ويقدموها لنا، لا على أساس الوصفة الإجبارية لكيف تعاش الحياة، ولكن باعتبارها الوصفة السحرية لفن احتمال الحياة.