تصنف نظريات علم النفس مواقف الناس في تعاملهم مع الزمن إلى ثلاثة أنواع: نوع يعيش في الماضي لا يرى له بديلاً، فكل ما كان فيه من بشر وعلاقات وأخلاقيات وأحداث جميلة وعظيمة لن يتكرر، وهؤلاء عرضة للاكتئاب لعدم رغبتهم وقدرتهم على تجاوز الماضي والتعايش مع واقعهم الحقيقي.

ونوع ثانٍ لا يخطر لهم الماضي نهائياً ولا يجدونه جديراً بالالتفات، يعيشون في المستقبل ويفكرون في الغد وما يمكن أن يحدث فيه، وهؤلاء عرضة للقلق والتوتر، متأرجحين دائماً بين التوقعات والتنبؤات، وأما النوع الثالث فعالقون في الحاضر لا يفكرون في الغد ولا يلتفتون للأمس، وهؤلاء مصنفون باعتبارهم أفضل الثلاثة، فهل هم كذلك فعلاً؟

لنتحدث عن كبار السن مثلاً أو الأمهات أو المشدودين بقوة ما للماضي، المنغمسين فيه كلية، فلا يتحدثون بالفرح والفخر إلا عنه، يملؤون حقائب ذاكرتهم بحمولة ضخمة من الحكايات والبشر المثاليين والعلاقات العظيمة، لكن ما الذي أوصلهم لذلك؟

ربما عدم قدرة هؤلاء على مواكبة التغيرات والتحولات التي حدثت حولهم ولهم، ورفضهم لها جعلتهم يمارسون حالة نكوص أو لجوء لا إرادي للماضي، يحتمون به ويدافعون عن أنفسهم وقيمهم وأفكارهم بالتمسك به كنوع من الاستسلام أو الاعتراف بعجزهم عن التغيير. وهؤلاء فئة كبيرة ممن يرون كل جميل وعظيم وطيب وبسيط مرتبطاً بالماضي، أما الحاضر فأغلبه مرفوض، وأما المستقبل فبيد الله!

وأما العالقون في اللحظة الحاضرة، ممن يشككون أو يسخرون أو يقللون من أهمية كل ما له علاقة بالماضي، فهؤلاء من يطلق عليهم (المنبتون)؛ أي منقطعو الصلة بجذورهم، والمفتقدون لأي أمل في الغد، الذين لا يخططون ولا يسعون ولا يجتهدون.

إن أفضل الجميع هو المتصل والمتواصل، هو من يعيش يومه وحاضره ومستقبله باتزان والتزام، فما يربطنا بالزمن ليس التفكير الرومانسي أو الأيديولوجي، ولكن مدى التزامنا ووعينا بدورنا في الحياة، ومدى استعدادنا للعمل والسعي والتفكير والتخطيط، هذا ما يجعلنا لا نعلق في لحظة بعينها، بل نتحرك مع حركة الحياة؛ لأن الثبات لا يتسق مع ناموس الكون.