كنت أجلس منذ يومين في أحد مقاهي قرية صغيرة رابضة في أحضان الجبال الشاهقة بريف النمسا، ومن يعرفني، يعرف تماماً أنني أحب هذا المكان، ولي معه علاقة تمتد لقرابة الخمسة وعشرين عاماً، منذ ضللت الطريق ذات يوم، صحبة بعض الأصدقاء، ووجدنا أنفسنا ليلاً نجوس طرقات هذه المنطقة!

ولأن الوقت كان متأخراً، وطرقات أرياف أوروبا بلا إضاءة عادة، ونظام التنقل والاستدلال على العناوين عبر الأقمار الصناعية لم يكن معروفاً يومها، فقد آثرنا المبيت فيها، وقلنا (ننام هنا هذه الليلة، والصباح رباح)، لكننا حين أصبحنا وأصبح الملك لله، ما كان من قوة بإمكانها أن تخرجنا منه، كنا كمن غرست قلوبهم في جنة من الجمال، فحمدنا الله كثيراً على ليلة الضياع تلك، وسبحنا باسم الخالق، مع كل ما يحيط بنا ويسبح بعظمته وجماله!

منذ ذلك العام، وأنا أتردد على هذا المكان باستمرار، لكنني بطبيعة الحال أسافر شرقاً وغرباً، لكن قلبي وروحي يطمئنان هنا، لذلك، فعندما سألتني سيدة قالت بأنها تأتي لأول مرة، عن بعض الأماكن التي يمكنها أن تزورها، قمت بكتابة قائمة لأمكنة مختلفة، تكفي لشهر من التنقلات، قالت لي بدلاً من كلمة شكراً: طبيعة، طبيعة، ماذا أفعل في الطبيعة، وأنت (سألتني)، لماذا أتيت إلى هذه القرية؟ ذكرت لها باختصار غرامي بالمكان، فقالت لا شيء يدعو للمجيء إلى هنا؟ كم ستبقين؟ قلت لها عشرة أيام، وربما أكثر، شهقت قائلة: لماذا؟ ما الذي ترينه ولا نراه؟ لم أجبها!

في اليوم التالي، كنت على قمة جبلية ترتفع قرابة الألفي متر، كنت أعيش أجمل لحظات الاستمتاع، دخلت مقهى، تناولت كوب قهوة، وإذا بالسيدة نفسها تظهر لي بغتة، وبشكل بدأ لي غريباً، سألتني ماذا تشربين؟ أجبتها، لذيذة القهوة هنا؟ نعم، أجبتها وأنا غير مصدقة! بعد ساعة وأنا أدفع حساب القهوة، سألتني النادلة عن المرأة التي كانت تحدثني، وفيما إذا كانت قريبتي، نفيت ذلك! فقالت، لقد طلبت قهوة وشربتها، والتقطت عشرات الصور، ثم غادرت دون أن تدفع ثمنها! عرضت أن أدفع الحساب، فرفضت النادلة بشدة، لكن المرأة اختفت تماماً!