ببساطة لأن الأهل لا يقرأون، وبصراحة لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لا يمكن لأب يسخر من الكتب أن يدفع ابنه للقراءة، ولا يمكن لأم أكبر همها الصالون، ومتابعة آخر المستجدات في عالم العبايا ونقوش الحناء والمكياج وقصات الشعر، أن تعلم ابنتها معنى القراءة وهدفها وضرورتها، لأنها لا تمتلك أبجديات هذا الوعي من الأساس، لقد جلست إلى الكثيرات منهن، ووجدت أن آخر همهن المعرفة والقراءة، بل إن الكثيرات ينظرن للأمر بسخرية شديدة، وبعضهن يعتقدن أن من حق الأطفال بعد عناء المدرسة أن يرفهوا عن أنفسهم بـ«الآيباد» والألعاب الإلكترونية، ويكفيهم دروساً ومذاكرة وامتحانات!
فيا عزيزي لا تسأل لماذا لا نقف لننافس في مسابقات القراءة، فطالما أن أولادنا لا يعرفون الحديث بالعربية، ولا يعرفون الكثير من مفردات لهجتهم المحلية، فكيف سيقرأون كتباً بالعربية؟ نعم، هنا من يقرأ من أبناء هذا الجيل، ويذهب للمكتبة لشراء الكتب، ولقد رأيت مراهقين خليجيين يدخلون مكتبات في بعض دول أوروبا ويقتنون كتباً، ولكن أي كتب؟
إنها كتب كتلك التي يقرأها مراهقون في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وو..، قصص جريمة وعنف وغموض، تضعهم في الإطار الثقافي الغربي، الذي يبعدهم كلية عن ثقافتهم وهويتهم ولغتهم وانتمائهم الاجتماعي والتاريخي، الإطار الذي يدمجهم في عالم بلا محددات ولا قيم ولا هوية! فماذا استفدنا من قراءتهم؟ وهم ماذا أفادوا مجتمعهم وماذا أفادوا أنفسهم؟ كيف انعكست القراءة على وعيهم وتكوينهم العام ورصيد معارفهم؟
نحن نقول: أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، وأن تقرأ كتاباً بأية لغة خير من أن لا تقرأ شيئاً، لكنْ للقراءة هدف، ومعنى، نحن لا نقرأ لمجرد القراءة، ولا نتعلم للعلم، ولا نفعل أي شيء دون غاية، هناك غاية كبرى تقف خلف أفعالنا وسعينا في هذه الحياة، أن نعرف، ونفهم، ونزداد وعياً بدورنا وتحديات وجودنا، أن نقوي أدواتنا، أن يكون لها دور في دورة الحضارة وسيرورة الزمن، أن نترك بصمة، أن نفيد ونستفيد، أن نعيش بوعي، ونمارس الحياة على بصيرة.. وأن القراءة والمعرفة الصحيحة تقودنا لهذا الطريق.