يسألني أحدهم: ما الفائدة من كل النشاطات الثقافية التي تنعقد على طول الوطن العربي وعرضه، ومن آلاف الكتب التي تباع وتشترى وتقرأ؟ ومن البرامج الثقافية وساعات البث التي تقدم فقرات تحاول رفع مستوى الوعي عند الناس؟

قلت: الفائدة تكمن في الهدف المفهوم والمعروف، الذي تقام كل هذه الأنشطة والفعاليات والبرامج لأجله، زيادة جرعات الوعي ومستوى الثقافة العامة، وترسيخ المنهج العقلي في النظر لكل ما حولنا، نظر إليّ ملياً، وقال: وكم نسبة ما تحقق من هذا الهدف، مقارنة بكل الجهود والخطط والفعاليات؟.

أدرك تماماً أننا في العالم العربي لدينا إشكالية كبيرة في اتباع المنهج العقلي في التفكير والنقد والحياة، لأكثر من سبب موضوعي: أولاً، لأننا ميالون بسبب التربية ومحيط الأسرة والأصدقاء، للحكم على كل شيء بعواطفنا أولاً، وبتأثرنا بكل ما نسمع ويقال لنا، وخلاف العاطفة.

فالمجتمع الشرقي يفكر ويتحرك بعقلية الجماعة المندفعة بتأثير الجماهير، التي هي جزء منها، وتعلم أنها مهما كان لديها رأيها الخاص، إلا أن الخضوع لرأي الجماهير مقدم على كل رأي، في الحقيقة، فإن الناس تخاف حد الرعب من مخالفة السائد والمتعارف عليه (العادات والأعراف)، حتى وإن لم يعترفوا بهذا الخوف!

يسمع الناس كلاماً منطقياً ومنهجياً في الندوات والحوارات، ويقرؤون مثله في الكتب والصحف، إلا أن واحداً أو اثنين من كل مئة، يلتزمون بالمنطق واستقلالية التفكير، أما الغالبية فتنسى كل ما سمعته في المحاضرات والندوات، متسلقة وراء الخيارات السائدة التي تفرضها الجماهير، مهما كانت تلك الخيارات خاطئة أو غير متسقة مع قناعات البعض، إلا أن هذا البعض يعتقد أن مخالفة خيارات وتوجهات الجماعة، قد تجعلهم منبوذين أو معزولين، لذلك، يقول الناس في دارجتنا الإماراتية (حشرٍ مع الناس عيد)، وهو مثل كاشف جداً لقوانين نفسية مهمة، أوردها غوستاف لوبون في كتابه (سيكلوجية الجماهير)!

لقد حاول كثيرون أن يصمدوا أمام فكرة الأسماء التجارية الكبرى، ألا يقعوا فريسة وهْم (البراند المرموق)، الذي يضع من يقتنيه في مستوى معين، فيظن متيقناً أن الآخرين ينظرون له بمنظار التفوق الاجتماعي، بسبب حقيبة أو حذاء أو... بينما هذا قد يكون في جزء كبير منه، مجرد وهْم لا أكثر!