سألتني صديقة، تعقيباً على مقال «حياة مسروقة»: أي حياة تودين استعارتها أو الحصول عليها بديلاً لحياتك؟ لم يكن السؤال مفاجئاً بالنسبة لي، فقد خطر ببالي وأنا أشاهد الفيلم، وما قامت به بطلته، كما ألحّ عليّ وأنا أكتب المقال، ولدي إجابتان في الحقيقة، وليست واحدة!

الحق أنني لم أعوّد نفسي النظر إلى ما لدى الآخرين، وهذا ليس من باب ادعاء المثالية، لكنها التربية التي يتلقاها أحدنا وينشأ عليها، مصداقاً لقول أبي العلاء المعري (وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه). لقد كانت الأمهات في صغرنا إذا اصطحبت صغيرها أو صغيرتها معها في زيارة لأحد، ظلت توصيه طيلة الطريق بألا يمعن النظر ولا يبحلق في ما سيشاهد في ذلك البيت، وإذا فعل عاقبته! وبذلك وئدت رذيلة الطمع في الصغار باكراً على يد الأمهات!

مع ذلك، فلو أتيحت لي الفرصة لعدت بالزمن سنوات إلى الوراء، لغيرت خيارات مصيرية شكّلت جوهر حياتي كلها، أتمنى لو أمكنني ذلك فعلاً، بدلاً من أن أكون مكان شخص آخر في الحياة، إلا أنه من المستحيلات أن يغير الإنسان قدره، لذلك، كان الخيال بديلاً مشروعاً، وصار التخييل في الأدب والسينما حلاً رائعاً لمستحيلات الحياة.

كثيرون وكثيرات ممن سألتهم صديقتي، لم يقدموا إجابة، لأنهم لم يتمنوا أن يكونوا في مكان أحد آخر، لكنهم يودون لو استطاعوا تغيير بعض المسارات المصيرية في حياتهم، فربما أصبحت حياتهم، كما يظنون، أقل وطأة وأفضل مما هي عليه!

قليلون جداً من تمنوا أخذ حياة شخص آخر، قالوا إنهم يودون لو يكونون مكانه، ليعيشوا الحياة التي لطالما تمنوها، ولم يقدروا على تحقيقها! لكن هؤلاء لو قام أحدهم بتوسيع زاوية الرؤية في الاتجاه الآخر، ونظر عميقاً إلى حياة ذلك الشخص، فربما وجد أن حياته التي يود استبدالها أفضل بكثير!

نحن نتمنى ما لدى الآخرين، لأننا لا نرى إلا ظاهر الصورة البراق، أما زواياها المعتمة، فهي مختبئة في قلوب أصحابها، لذلك، فإن القناعة بما بين أيدينا تسهّل الحياة، وتمنحنا يقيناً بأن ما بين أيدينا أفضل ربما مما لدى الآخرين، لكننا لا نعلم الغيب!