من اللافت أن الحدث الفلسطيني وما يجري من انتهاكات إسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة قد غُيبا تماماً عن المشهد السياسي ـ الإعلامي، وصار الوضع العربي، هو موضع الاهتمام الأول لدى مختلف الأوساط والشخصيات الدولية، التي لم تحرك ساكناً عندما كانت إسرائيل تنسف البيوت فوق أصحابها بصواريخ الطائرات وتقصف الأطفال والنساء وكل شيء في قطاع غزة بالفوسفور الأبيض، كما حرقت قبله مساحات واسعة من لبنان، ولا أحد في هذا المجتمع الدولي المتحضّر تحدث عن تجاوزات وخروقات لحقوق الإنسان، ولا أحد رفع الصوت متحمساً مطالباً بفرض عقوبات على إسرائيل، وحتى تقرير القاضي غولدستون، اعتبر من قبيل الخيانة القانونية والتطاول على (أسياد) العالم، ثم جرى الالتفاف عليه وطيّه نهائياً وكأنه لم يكن.
اليوم بتنا نرى المشهد مقلوباً لأن إسرائيل غائبة عنه، فالكل صار مؤيداً لحقوق الإنسان التي تنتهك في هذا الجزء أو ذاك من الوطن العربي، وثمّة من تحرك بإيحاء أميركي ملوحاً بعقوبات دولية وحظر للطيران.. الخ، لكن الموقف الأميركي هو الذي يمكن أن يُحاصر بمئات علامات الاستفهام لأنه الوحيد الذي يلوّح بتدخل عسكري مباشر سيتحول احتلالاً كما جرى في العراق.
ومع هذا الزخم الأميركي في ركوب الموج، لم ينس مدّعي عام الجنائية الدولية أوكامبو أن يدلي بدلوه مهدداً مزمجراً في غيريته المشبوهة على حقوق الإنسان، وهو الذي لم يُسمع عنه مجرد تصريح عندما كانت إسرائيل تحرق غزة بمختلف صنوف الأسلحة وتحول أجساد أطفاله الغضة إلى أشلاء.
أوكامبو وأمثاله ليسوا أكثر من زاعقين مرددين الإيحاءات التي تصدر من خلف المحيط، فما يقوله البيت الأبيض، هو بالنسبة لهؤلاء بوصلة توجه ومدى متاح للتنظير والوعيد ولتسويغ انتقائية المعايير.
ويبقى السؤال: هل يثق أحد بالسياسة الأميركية بعد ما جرّته على منطقتنا من ويلات وتدخل سافر لتأمين وتغطية ودعم مطامع إسرائيل؟.
ثم ما علاقة الرئيس الأميركي بشأن عربي، ومن فوّضه ليقول إن هذا فقد شرعيته وعليه أن يرحل وإلاّ...؟. أليس الموقف الأميركي غيرية مشبوهة على حقوق الإنسان في الوقت الذي تُداس فيه هذه الحقوق بمعرفة الولايات المتحدة وبتأييد منها في غير مكان من بقاع العالم؟.
لكن السؤال الأهم: لماذا يسمح أحدنا للولايات المتحدة أن تتدخل في شؤونه أو يفسح لها المجال والذريعة لذلك؟