لعلّ آخر صرعات بعض الأميركيين، ما تفتّق عنه (حزب الشاي) بأن الأميركيين شعب الله المختار، يضفي شيئاً جديداً على السياسة الأميركية لم نكن نعرفه في العلن وإن كنّا نلمس مدلولاته وتداعياته على أرض الواقع العربي والعالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبدء العمل بمشروع مارشال.

يرى (حزب الشاي) هذا الذي يعد الجناح اليميني في الحزب الجمهوري الذي بات الآن مسيطراً على مجلس النواب، أن أغلبية الأميركيين يعتبرون أن الله أعطى أميركا دوراً خاصاً في تاريخ البشرية، وأن الثقافة الأميركية هي الأعلى والأفضل ولا يمكن مقارنتها بكل الثقافات الأخرى، ويصل هؤلاء إلى الاعتقاد أن كل أميركي يرى عكس ذلك هو خائن، وكل أجنبي يقول عكس ذلك هو جاهل!. ‏

على هذه العقلية وهذا التوجه المتغطرس، تُبنى السياسة الأميركية التي لا يتورع مروّجوها عن سكب دموع التماسيح على قضية هامشية في حياة الأمم، وعن استخدام أنياب التماسيح لقضم حقوق شعوب ونهب خيراتها، أو استخدام كل وسائل الخداع والمراوغة والتضليل في وضع وتنفيذ خطط الهيمنة والتدخل العسكري، أو التواطؤ مع طرف ضد آخر وغالباً ما يكون هذا الآخر هو صاحب الحق وتدعم حقه قوانين وقرارات دولية. ‏

ما يدفع إلى هذا الاستنتاج وهذا التذكير بحقيقة السياسة الأميركية، ما نلمسه الآن من مواقف ضد ليبيا، حيث يُراد أميركياً تكرار سيناريو العراق، فالرئيس أوباما يستعجل البنتاغون في وضع خطة عسكرية للتدخل (إذا استمرت المواجهات) وحسب الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني فإن كل الخيارات مطروحة على الطاولة قبل أن تتجاوز ليبيا الخطوط الحمر!. ‏

 واضح أن شيئاً ما يُحاك في دوائر البيت الأبيض والبنتاغون ليس حرصاً على الشعب الليبي ومستقبله، بل حرص على مصالح استعمارية غربية قد يكون النفط الليبي في مقدمها، لكن السؤال الذي يتوارد إلى الأذهان: هل كانت السياسة الأميركية منذ خمسينيات القرن الماضي حريصة على سلامة وحقوق الشعوب، ولا تزال أيدي قادتها مغموسة بدماء شعوب آسيا وأميركا اللاتينية وأخيراً في أفغانستان والعراق؟ ‏

السؤال الآخر: من فوّض الرئيس أوباما وصيّاً على ليبيا وعلى الأمم المتحدة وعلى القرار الدولي؟. ‏

للتذكير مجدداً.. حال الأمة العربية مؤسفة وأضحت مرتعاً للكل في التدخل في شؤونها وللكل كي يدلي بدلوه.

والموقف الأميركي ليس بريئاً في مطلق الأحوال، ولكن هذا لا يعني ألاّ تستفيق الأمة من سُباتها وألاّ يتحرك العرب لمنع أي تدخل أجنبي في ليبيا أو في غيرها من الدول العربية. ‏

والمؤسف أنه حتى الآن لم تتحرك الجامعة العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي ولا أي دولة عربية للقيام بدور الوساطة لإيقاف نزيف الدم في ليبيا ومعالجة الوضع الطارئ فيها بدلاً من انتظار الحلول والتدخلات من الخارج التي غالباً ما تكون لغير مصلحة العرب. ‏