شكّلت القرارات التي صدرت أمس الأول جولة جديدة في عملية الإصلاح الكلي والشامل باعتبارها تعلقت في مضامينها بقضايا كبرى من جهة، ولأن ما سينتج عنها سيشكّل تحولاً كبيراً في الحياة الوطنية والسياسية والحزبية في سورية من جهة ثانية.

وقد عبّرت فئات كثيرة من الشعب عن ترحيبها بهذه القرارات وعن رغبتها بأن تنفذ في أوقاتها وفق ما حددته القيادة السياسية والسيد الرئيس بشار الأسد وضمن السياقات المحددة لها. ‏

وبطبيعة الحال، فإن ما صدر من قرارات لا يشكّل نهاية المطاف بقدر ما يشكّل محطة مهمة يبنى عليها وبها الكثير من التفاصيل والتشريعات والقرارات المتممة لتكون الحصيلة برمتها انضاج مناخ سياسي ووطني يحقق للمواطنين عموماً مزيداً من الاستقرار الاجتماعي والمعيشي، وحزمة جديدة من الضمانات الكفيلة بحماية الحريات العامة وحقوق الإنسان التي تنعكس مباشرة بكل مفاعيلها زيادة في المنعة والحصانة الوطنية. ‏

وقد شكّل القرار الخاص بملف إحصاء 1962 بمحافظة الحسكة انطلاقة نوعية كبيرة للوطن عموماً، وللشريحة التي يشملها هذا القرار من أبنائنا في محافظة الحسكة، إذ سينجز الصك اللاحق والمرتقب صدوره بعد قيام اللجنة بمهماتها دفعة قوية في ترسيخ المبادئ الدستورية الأساسية، وتعزيز مفهوم المواطنة، كما أقرّها الدستور السوري، وكما هو طموح السوريين جميعاً. ‏

وكذلك جاء قرار تشكيل اللجنة القانونية الخاصة بدراسة قانون الطوارئ تمهيداً لإلغائه، معبراً تماماً عن إرادة سياسية ووطنية أجمع عليها الشعب والقيادة وعنوانها: إن حماية الوطن والذود عنه تحتاج بالفعل إلى جملة من الصياغات والوقائع الوطنية الجديدة التي تؤكد أن السوريين على قدرة ثقافية وسياسية عالية وعلى وعي وطني عميق، وقانون كقانون الطوارئ غير ذي معنى وغير ذي قيمة عندهم. ‏

ولعل القرار الخاص بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق في الظروف والأسباب التي أدت إلى استشهاد عدد من المواطنين السوريين في أحداث درعا واللاذقية، معبراً عن أهمية وقيمة وسمو الموقف الشعبي والرئاسي الذي اعتبر أن من الضرورة ومن الواجب، ومن الحق، أن يتم هذا التحقيق بدقة وشفافية حالة فحالة وواقعة فواقعة، وأن تتم محاسبة الذين أطلقوا النار على المحتجين وتسببوا بهذه المأساة، وأن تتم إحالتهم إلى المحاكمة، إنفاذاً للقانون وإحقاقاً للحق، وتطبيقاً للعدالة، وممارسة لدور الدولة في حماية مواطنيها وحماية حقوقهم وأرواحهم، وبالتالي إنزال أقصى العقوبات على كل من خالف الأوامر التي كانت واضحة وصريحة ولا لبس فيها، بألاّ يطلق النار أو يمارس العنف بحق أي مواطن مادام يعبّر عن رأيه وإرادته بعيداً عن التخريب والتدمير والحرق. ‏

لذلك يمكننا الآن أن نقول: إن هذه اللجان، التي شكّلت وتألفت من مجموعات من الخبراء والقانونيين والحقوقيين والقضاة الذين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والحيادية، يعلق عليها شعبنا آمالاً كبيرة، وهي مسؤولة وطنياً وأخلاقياً وشرعياً أمام الوطن والشعب لتحقق ما كلفت به تماماً بما يفضي إلى تحقيق المزيد من التلاحم الوطني والمزيد من الإصلاح الشامل.‏