لم يعد سراً تراجع مكانة القضية الفلسطينية على الأجندة العربية والدولية منذ انطلاقة الربيع العربي، وهو ما استغله العدو الصهيوني فعمد إلى رفع وتيرة الاستيطا ن وتهويد القدس والأقصى.

وبوضع النقاط على الحروف فإن حالة الفوضى التي تعم عدداً من الأقطار العربية، وتشي بحروب أهلية ومذهبية قذرة وصلت نذرها إلى العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن..الخ، يصب في مصلحة العدو الصهيوني ومصلحة أعداء الأمة.

ومن هنا نجد أن العدو الصهيوني يعلن جهاراًَ نهاراً عن بناء آلاف الوحدات السكنية في الأرض المحتلة، ومن بينها ثلاثة آلاف وحدة في القدس المحتلة لإنجاز تهويدها، ويعلن وزير الإسكان أن الأقصى هو ملك لإسرائيل لأنه مبني على أرض الهيكل، ويدعو الكنيست على إصدار قرار ينص على فتح ابواب الأقصى لليهود، كما ويجيء الإعلان عن تنظيم مسيرة يهودية ضخمة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري تجوب شوارع القدس، ليؤكد أن العدو مصمم على تنفيذ مخططاته الصهيونية، واعلان القدس مدينة يهودية، مستغلاً كما أسلفنا الأوضاع العربية البائسة والفلسطينية التعسة، والدعم الأميركي والتواطؤ الأوروبي.

لقد خاب ظننا، كما خاب ظن الشعوب العربية كافة بهذا الربيع، الذي حسبناه بداية لمرحلة جديدة، تعيد للشعوب حريتها وكرامتها ويؤسس لإقامة الدول المدنية الحديثة القائمة على العدالة والمساواة والانتخابات النزيهة وتداول السلطة احتكاماً لصناديق الاقتراع.

إن ما يحدث في العديد من الأقطار العربية التي ضربتها رياح الربيع العربي، هو أقرب الى الفوضى، لا بل هو الفوضى الهدامة بذاتها التي خططت لها أميركا لإعادة تقسيم المنطقة من جديد واحكام السيطرة عليها وتعميد العدو الصهيوني شرطياً لها، بعد أن فقدت “سايكس بيكو” صلاحياتها، واصبحت من مخلفات الماضي.

لقد استطاعت واشنطن أن تمتطي هذه الثورات، وتحرفها عن مسارها الطبيعي، و تفجر صراعات طائفية ومذهبية عنيفة بين أبناء الشعب الواحد، كسبيل وحيد لاغتيالها، وتحويل الربيع الى خريف وإعادة الشعوب العربية الى مربع اليأس والإحباط.

لقد غابت فلسطين والقدس عن الميادين والشوارع العربية منذ انطلاقة الربيع، وهو غياب غير مبرر، وغير مقبول، ويشير الى تراجع القضية الفلسطينية عن اجندة هذه الثورات وعن اولوياتها، واستمر هذا الغياب في ظل التطورات الخطيرة والمستجدات التي عصفت بهذه الدول وأدت الى تفجير حروب أهلية ونزاعات مذهبية، قادت الى كوارث انسانية متمثلة بهجرات جماعية، كما حدث ويحدث في الشام، إذ بلغ عدد اللاجئين في الداخل والخارج أكثر من ستة ملايين يعانون ظروفا مأساوية، وقد تجاوز عدد القتلى المائة وثلاثين الفاً، وتحولت الشام الى ارض محروقة يسكنها شبح الموت والخراب والدمار والاختناق بالكيماوي.

مجمل القول: لقد أثرت احداث الربيع العربي سلباً على القضية الفلسطينية، وقد تراجعت على سلم اولويات الدول الشقيقة والصديقة، وهو ما دفع العدو الصهيوني الى استغلال هذه الأحداث لتنفيذ خططه ومخططاته التوسعية والتهويدية، فقام برفع وتيرة الاستيطان وتهويد القدس والأقصى، وتحويل الضفة الى كانتونات وجزر معزولة يستحيل معها إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافية ضارباً عرض الحائط بكافة القوانين والمواثيق الدولية.