حرص جلالة الملك عبدالله الثاني في مقال له بعنوان “التعددية والوحدة الوطنية: العمود الفقري لأمن الاردن”.. نشرته مجلة وورلد بوليسي جورنال الاميركية، على استعراض مرتكزات النموذج الاردني للاصلاح والتحول الديمقراطي، والذي اصبح بحق مثالاً يحتذى في المنطقة، وشاهد على قدرة هذا الحمى العربي على قلب التحديات الى فرص، وعلى انجاز الكثير، وهو مسار يستحق دعم المجتمع الدولي برمته.

ومن هنا، فمرتكزات التغيير الاردني تقوم على التدرج والتوافق والاعتدال والتعددية واحترام الآخرين، وهي مرتكزات اثبتت نجاعتها في كافة الدول الديمقراطية العريقة التي مرت بهذه التجارب حتى وصلت الى ما وصلت اليه من تقدم ورخاء ورفاه، بفعل هذا النهج القائم على الاعتدال وتراكم الانجازات.

لقد آثر جلالة الملك ان يضع المجتمع الدولي في صورة الوضع في الاردن وفي المنطقة عموماً، مستعرضاً العناصر التي تشكل روافع للاصلاح والتحول الديمقراطي، ومن ابرزها الامن والاستقرار.

فالأمن في الاردن لم يأت نتيجة قوة كبيرة ولا مصادر طبيعية ضخمة، بل ينبع من قيم اساسية راسخة لشعبنا، جعلت الاردن حصيناً على مدى عقود من التحديات المستمرة.. واليوم تساهم قيم الوحدة والاعتدال والتعددية والاحترام في انجاز هذا الاصلاح التوافقي..

وفي هذا السياق نفى جلالة الملك مقولة بأن العالم العربي لا تناسبه الديمقراطية، مؤكداً بأن هذا انطباع خاطىء وان الشعوب العربية من مختلف الخلفيات بنت حضارة عريقة، وساهمت العشائر في الاردن ومختلف مكونات الشعب ببناء الدولة الاردنية القائمة على الاعتدال والتعددية وسيادة القانون, مشيراً الى ان الفسيفساء التي تشكل النسيج الاردني الوطني، هي مصدر قوته، وقدرته على مواجهة التحديات والمستجدات.

جلالة الملك الذي بدأ عملية الاصلاح مبكراً منذ عام 2011 أشار الى اسباب تباطؤ هذه العملية والتي تعود الى الازمة المالية العالمية، وازمات الطاقة والغذاء، اضافة الى مقاومة اصحاب المصالح لحركة التغيير في حين وقف البعض خارج العملية ينتقدون ويرفضون.

ومن هنا، مثّل الربيع العربي فرصة سانحة لتجاوز كل هذه العقبات والعراقيل، واستطاعت مسيرة الاصلاح ان ترسي قواعد التغيير وان تحقق الكثير من الانجاز أبرزها تعديل اكثر من ثلث مواد الدستور، افضت الى الفصل بين السلطات الثلاث، وتشكيل محكمة دستورية، وهيئة مستقلة للانتخابات واجراء انتخابات نيابية نزيهة تعتبر بحق الثمرة الطيبة للربيع الاردني.

ويمضي جلالة الملك في التأكيد بأن الاصلاح في الاردن مستمر لا رجعة عنه، وانه عازم ومن خلال الرؤية التي طرحها جلالته في الاوراق النقاشية الاربع التي عرضها للنقاش على اطلاق حوار عام حول الخطوات المستقبلية، وتعزيز دور الاحزاب وصولاً الى حكومات برلمانية يشكل فيها الحزب الفائز الحكومة، وتتحول الاخرى الى احزاب معارضة.

لقد ركز جلالته على اهمية مشاركة المواطنين وصولاً الى بناء الثقافة الديمقراطية المستندة في جوهرها الى المواطنة الفاعلة، وهي صلب المبادرة الاردنية الجديدة “ديمقراطي” التي تهدف لدعم المجتمع المدني، خاصة القادة الشباب والناشطون في المجتمع المدني.

أهاب جلالة الملك بالعالم كله مساعدة الاردن في انجاح نموذجه في التطور التدريجي، من خلال دعم الاقتصاد الاردني، ونهوض هذا المجتمع بواجباته بارسال المساعدات المادية لتمكين الاردن من تخفيف معاناة الاشقاء السوريين، والعمل على حل الازمة السورية حلاً سلمياً، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ما يوفر أجواء ايجابية بالمنطقة تعطي الاردن وغيره من الدول الفرص السانحة للمضي قدما في تحقيق الاصلاح والتحول الديمقراطي، وقد تخلص من أعباء باهظة تفوق طاقته في احيان كثيرة.

مجمل القول: جلالة الملك وهو يستعرض مرتكزات النموذج الاردني للاصلاح القائم على التدرج والاعتدال والوسطية، فانه يؤكد للعالم كله ان لا رجعة عن هذا الاصلاح والذي اصبح بحق نموذجاً يحتذى في التغلب على التحديات وتجذر الديمقراطية والتعددية.