شكّل اتفاق جنيف بين وزير خارجية روسيا وأميركا حول نزع أسلحة النظام السوري الكيماوية، والمداولات التي أعقبت ذلك بين الفرقاء المعنيين بالأزمة، وصولاً إلى قرار مجلس الأمن بالإجماع حول الموضوع، بداية لمرحلة جديدة في المنطقة، ووضع الأزمة السورية على سكة الحل السلمي بعد أكثر من عامين ونصف العام من الصراع الدموي، الذي أودى بحياة أكثر من “130” الف انسان، ودمر البنى التحتية للدولة، وأدى الى هجرة أكثر من سبعة ملايين انسان الى دول الجوار و الداخل، يتجرعون معاناة قاسية ليس لها مثيل، بعد تراجع المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات  اللازمة لإنقاذهم، وانقاذ وطنهم من طاحونة الموت والدمار، وتفجير صراع طائفي مجنون بين السنة والشيعة، امتد لهيبه الى دول الجوار بخاصة الى لبنان والعراق..

ان هذا الاتفاق يعني إعادة خلط الأوراق من جديد، ويعني انفراط تحالفات، وبناء أخرى، وهو ايضا يوفر فرصة مهمة لكافة الدول الشقيقة لإعادة تقييم التجربة تقييماً موضوعياً، والاضرار التي ألحقتها بالقضايا العربية، وبالذات بالقضية المركزية.. قضية فلسطين، ونشر الفوضى الهدامة في المنطقة، بعد اشعال الحرب المذهبية، لإعادة تقسيمها من جديد وإحكام سيطرة اميركا عليها، وتعيين العدو الصهيوني شرطياً عليها.

اتفاق روسيا واميركا على حل الأزمة السورية سلمياً، يفرض على كافة الدول الشقيقة ان تعود الى التضامن العربي، بكنس الخلافات التي استشرت وسممت الأجواء العربية، واستحضرت ثارات داحس والغبراء، فتشظت الأمة كلها الى شيع واحزاب متناحرة متصارعة، ما شجع الأعداء -وفي مقدمتهم العدو الصهيوني- على استباحة القدس والأقصى، والعمل علناً على تهويد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتحويل الضفة الغربية المحتلة الى كانتونات وجزر معزولة، يستحيل معها اقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً.

إن قراءة الواقع العربي المهدود يثير الفزع، وقد مزقته الخلافات وحولته الى جثث هامدة لا يقوى أي من الدول العربية على الدفاع عن نفسها وحماية حياضها، ما أغرى ديدان الأرض  بنهش لحمها الحي، ولعل التهديد بتحويل دول افريقية لمياه النيل، ورفض العدو الصهيوني قرارات الشرعية الدولية، والادعاء بأن الأقصى ملك لليهود، كله يؤكد حالة العجز والهوان التي وصلت اليها الأمة.

إن دخول الأزمة السورية مرحلة الحل السلمي يوفر للمنطقة كلها والدول الشقيقة العودة الى لغة العقل و صلة الدم والقربى والتاريخ واللغة والمصالح المشتركة، وإحياء معاهدة الدفاع العربي المشتركة التي امتهنت، لمصلحة العدو الصهيوني وأعداء الأمة، الذين انفردوا بها دولة دولة بدءاً من فلسطين وليس انتهاء بسوريا..!!

إن استعراضا سريعا للأزمة السورية وقبلها الليبية والعراقية، وما يجري في مصر وغيرها من الأقطار الشقيقة، يؤكد أن أعداء الأمة ليسوا معنيين بحقوق الإنسان العربي، ولا بالديمقراطية والتعددية، بل معنيون فقط بالحفاظ على مصالحهم وعلى أمن العدو الصهيوني ليبقى أقوى من كافة الدول العربية مجتمعة، والإبقاء على تدفق النفط العربي الى أميركا وأوروبا واليابان لتبقى الحضارة الغربية شامخة متجددة، والإنسان الغربي في منتهى الرفاهية والسعادة.

مجمل القول: الاتفاق الروسي - الأميركي بنزع أسلحة النظام السوري الكيماوية، وضع الازمة على طريق الحل السلمي، وأعاد خلط الأوراق والتحالفات من جديد، وهذا من شأنه أن يدفع كافة الدول العربية الشقيقة إلى أن تعيد قراءة التجربة التي مرت بها، وان تعود الى التضامن العربي من جديد، بعد أن ثبت أن وحدة الأمة هي العاصم الوحيد لهذه الدول، والقارب الوحيد الكفيل بإيصالها الى بر الأمان.