يمكن النظر إلى مشاركة دولة الإمارات ضمن التكتلات الدولية بشكل عام وأعمال قمة العشرين في دورتها التاسعة عشرة التي عقدت في ريو دي جانيرو البرازيلية خلال يومي 18 و19 نوفمبر الجاري، والتي حضرها نيابة عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، بأنه: اعتراف دولي عملي عن فاعلية دبلوماسية الإمارات، وأن تلك الدعوة هي انعكاس موضوعي لنشاطها في العديد من القضايا الإنسانية التي باتت محل اهتمام العالم.
وينطلق التقدير الدولي للإمارات من أنها وضعت لنفسها مبادئ دبلوماسية واضحة، أبرزها، المبدأ الإنساني: فتواجدها مع كل التكتلات الدولية التي بات عالمنا يحفل بالعديد منها، وبغض النظر عن طبيعتها إن كانت تلك التكتلات سياسية أم اقتصادية أم غيرها، إلا أن خيار الإمارات الأول هو: الانفتاح على الجميع من أجل خدمة الإنسانية من خلال إقامة علاقات دولية بالشكل الذي يجعل المجتمع الدولي أكثر تعاونية وتشاركية في مواجهة الموضوعات التي تهم العالم، والتي كانت في قمة ريو دي جانيرو متركزة على مكافحة الفقر والجوع، والتي أعلنت دولة الإمارات عن مبادرتها بقيمة 100 مليون دولار لمكافحة الفقر والجوع؛ وعليه فإن جهود الإمارات تتركز على تعميم مبادئ الشراكة العالمية لخدمة السلم والأمن الدوليين.
وفق ما سبق، فإن مواقف دولة الإمارات ورأيها يحظى بتقدير واهتمام من متخذي القرار الاقتصادي على المستوى الدولي، خصوصاً أنها تملك رؤية موضوعية في القضايا التي تعزز صوت دول الجنوب. والمبدأ الآخر لدعوة الإمارات للمشاركة في القمة استراتيجي: فأهمية مشاركة الإمارات في هذا التجمع تأتي من بعدين اثنين.
الأول: حالة العالم الذي يشهد العديد من الأزمات السياسية والأمنية بين الولايات والصين تطغى على القضايا الإنسانية مثل المناخ، والغذاء والهجرة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي، فالأمر يحتاج لدول تستطيع خلق التوازن بين المتنافسين، وهذا الأمر ليس باستطاعة أي دولة وإنما يأتي من خلال امتلاك المصداقية السياسية.
البعد الثاني: حالة الإقليم، حيث تشهد المنطقة حرب إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية واللبنانية وغيرها من دول المنطقة إلى درجة أنه بدأت مصداقية المجتمع الدولي في مواجهة الدول الخارجة عن القانون «محل شك»، هذا غير حالة القلق في البحر الأحمر، الأمر الذي يعني حاجة المجتمع الدولي إلى سماع آراء من الدول الفاعلة دبلوماسياً في طرق علاج مثل هذه الأزمات الخطيرة بفكر جديد أو ما يسمى من «خارج الصندوق»، فالموضوع بات معقداً.
ومع أن هذه المشاركة الإماراتية هي الخامسة منذ تأسيس مجموعة العشرين، كـ «ضيف» مدعو فيها، إلا أنه بات معروفاً أن دولة الإمارات لم تعد «ضيف شرف» في أي تكتل دولي، وهي لا تخرج من أي محفل من دون أن تترك بصمة لإصلاح المجتمع الدولي، وربما الذاكرة العالمية ما زالت تردد تلك المبادرة العالمية التي أعلنتها في قمة نيودلهي العام الماضي بشأن الممر الاقتصادي العالمي، ويومها شكر الرئيس الأمريكي جو بايدن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، على جهوده لتخفيف حدة التشاحن الدولي، وأنه كان سبباً في حضور القادة للقمة لمناقشة القضايا الدولية؛ لذا طبيعي أن ينظر الحضور باهتمام لدولتنا.
إن مشاركة الإمارات في التكتلات الدولية الكبرى ليست مجرد حضور سياسي أو إعلامي، بل هو في الحقيقة رسالة تنموية، ومعنى حضاري إنساني بأن دول الجنوب بإمكانها النهوض وتحقيق قصص نجاح إذا ما توفرت إرادة الإنسان مع رؤية قيادة سياسية.