حينما نتحدث عن التراث الإماراتي، فإننا نتحدث عن شريان حيّ ينبض بالقيم والمبادئ التي ورثها أبناء الإمارات عن أجدادهم. هذا التراث لم يكن لينتقل عبر الأجيال بهذه الأصالة والديمومة لولا حراس التراث الأوائل، القائدان المؤسسان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما. لقد كانا بوصلة حفظ الهوية الوطنية وصون الموروث الثقافي، ليس فقط عبر حمايته من الاندثار، بل عبر تقديمه كمنظومة فكرية وحياتية واجتماعية متكاملة تعكس روح الإمارات وأصالتها.

«من لا ماضي له، لا حاضر له ولا مستقبل»، بهذه العبارة الشهيرة عبّر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عن فلسفته العميقة تجاه التراث، التي جعلت منه ركيزة أساسية لرؤية الإمارات في البناء والتنمية. هذه العبارة وغيرها الكثير من التوجيهات والقرارات والأفكار المبدعة لإنشاء مؤسسات وحاضنات للتراث والثقافة الإماراتية، إبان تأسيس الاتحاد، هي جوهر مشروع الشيخ زايد للحفاظ على التراث، حيث رأى أن الماضي ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو المعلم الأول والقيمة الثابتة التي تبني عليها المجتمعات مستقبلها.

إلى جانبه، وقف أخوه ورفيقه، المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ليكمل هذا النهج ويتممه من خلال إصراره على جعل التراث جزءاً لا يتجزأ من النهضة العمرانية والثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة. لقد نظر إلى التراث ليس كأمر منفصل عن الحياة اليومية، بل كقاعدة تستند إليها هوية المجتمع، تُحفظ في الأسواق التقليدية، والمهن اليدوية، وفي الفنون والأدب الشعبي الذي كان يعكس روح الجماعة الإماراتية.

الشيخان زايد وراشد، طيب الله ثراهما، كانا رمزاً للعلاقة المتناغمة بين الإنسان والطبيعة والتراث. فأدركا أهمية الحفاظ على التراث الإماراتي، كإرث مادي وكقوة تجمع بين الأصالة والمعاصرة. كانا يؤمنان أن صون التراث يبدأ من توحيد ولم شمل سكان هذه الأرض الطيبة التي عاش عليها الأسلاف والأجداد والآباء، فكانت أول الخطوات هي ترتيب البيت الداخلي وجعله يتوهج بإضاءة عراقة الأجداد وتاريخهم المجيد، وتأسيس الهيئات والمؤسسات والوزارات والفرق المتخصصة التي تعنى باستخراج التراث الإماراتي من كل مكان متوفر فيه، ودعمهم وتشجيعهم للمضي في هذا المشروع الكبير، في المواقع التاريخية التراثية والشعر النبطي الإماراتي والحرف اليدوية وكافة مكونات التراث الإماراتي المادية والمعنوية.

تجلت «فلسفة الشيخان التراثية» في اهتمامهما البالغ والأمين، ليحافظ الشعب الإماراتي على هويته الأصيلة وقيمه العليا وأخلاقه النابعة من جذوره الطيبة النقية، التي دفعت لتماسك هذه المنظومة كأساس لنمو المجتمع الإماراتي، ليس بالكلمات والاقتباسات، بل بالفعل الحقيقي والقرارات وإنتاج المبادرات والأفكار التي تحفز على هذه الهوية في فنون الفروسية، ورياضة الصقور، والشعر النبطي، وسباقات الهجن، والفنون الشعبية التراثية في الاحتفالات والأعراس الإماراتية التقليدية وفي المناهج التربوية وكافة النشاطات التي أسست هيكلاً مترابطاً متماسكاً يحمي الهوية الإماراتية المتألقة المتمسكة بجذورها وعاداتها وتقاليدها وتراثها وتاريخها وقيمها الجميلة، والتي انعكست جميعاً في نهضة تنموية بدأت يوم تأسيس الاتحاد ولم تتوقف لغاية الآن، ولله الحمد.

الرؤية الشاملة، التي عمل عليها الشيخان «زايد وراشد» بتعزيز التراث المادي والمعنوي، حققت هدفاً عظيماً تمثل في غرس القيم الإماراتية في نفوس الأجيال الجديدة. فبقي التراث جزءاً أساسياً في الهوية الثقافية الإماراتية. فظهرت فلسفتهما التي تعلمها جيلنا جميعاً، من رواد التراث الإماراتي، أن حماية التراث وحفظه وصيانته، لا تعني «الانغلاق على الماضي»، لكن إعادة تقديمه بطرق مبتكرة تتناسب مع متطلبات العصر والأجيال القادمة.

إن «فلسفة زايد وراشد» في حماية التراث كانت متناغمة ومتكاملة. لقد أدركا أن حماية التراث تتطلب منظومة شاملة تشرك الأفراد والمؤسسات وكافة أطياف المجتمع للحفاظ عليه. بدعم الشعراء والأدباء الإماراتيين، ودعم تنظيم المهرجانات التراثية، وفتح المجالس الإماراتية بشكلها التقليدي الموروث كمنصات دائمة تستضيف الشعراء والحرفيين والمفكرين، وتتيح للأجيال الجديدة التعرف على تراثهم من خلال التفاعل المباشر مع من يحملون هذا الإرث العظيم.

أثمرت رؤى وجهود وأفكار وخطط «زايد وراشد» فلاسفة التراث الإماراتي، وحماته الأوفياء، الذين جعلوا من التراث ليس فقط مصدر إلهام، بل حجر الزاوية الذي تقوم عليه دولة الإمارات الحديثة، بتأسيس عدد كبير من المؤسسات التي تعمل على تحقيق الأهداف التي وضعها المؤسسان لحماية التراث ونقله إلى الأجيال القادمة. فأصبح إرث «زايد وراشد» في الحفاظ على التراث وحمايته ورعايته أمانة يجب أن يحملها كل إماراتي بأن التراث هو القيم التي توحدنا، والهوية التي تميزنا، والروح التي تجعلنا نستمر وهو القوة الدافعة لبناء مجتمع متماسك ومزدهر.