الفنان اللبناني محمد سلمان (1922 ــ 1997) تميز بمواهب عدة شملت التمثيل والغناء والتلحين وكتابة كلمات الأغاني وكتابة السيناريو والحوار والإخراج والإنتاج والخط العربي، أما زوجته الثانية الفنانة نجاح سلام (1931 ــ 2023) فقد كانت صاحبة صوت قوي ساحر ومتميز.
شق الزوجان طريقهما إلى النجومية والشهرة في مصر التي حلا بها وتزوجا فيها في أربعينات القرن العشرين. وفي القاهرة ركبا موجة المد القومي الناصري، فزادت شهرتهما الغنائية، خصوصاً بعد أن غنى محمد سلمان زمن العدوان الثلاثي سنة 1956 أغنية «لبيك يا علم العروبة/ كلنا نحمي الحما/ لبيك وارفع من جماجمنا/ لعزك سلّما» من ألحانه وكلماته.
وبعد أن غنت نجاح سلام للمناسبة نفسها أغنية «يا أحلى اسم في الوجود يا مصر/ يا اسم مخلوق للخلود يا مصر» من كلمات إسماعيل الحبروك وألحان محمد الموجي، وهما الأغنيتان اللتان كانت إذاعة «صوت العرب» المصرية تبثهما يومياً أكثر من مرة.
غنت نجاح سلام بعد ذلك أغنيات تمجد الوحدة المصرية السورية (1958 ــ 1961) وزعيمها جمال عبد الناصر، لعل أشهرها أغنية «بدي عريس». وقصة ميلاد هذه الأغنية التي خلدت تلك الوحدة القصيرة والتي لقيت ردود أفعال واسعة، رواها محمد سلمان في أحد حواراته الصحافية ومفادها أن عبد الناصر كان في زيارة لسوريا (الإقليم الشمالي لدولة الوحدة كما سميت).
وأقيم بهذه المناسبة حفل فني في مدينة حماة، غنت فيه المطربة صباح أغنية جديدة للوحدة من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان فريد الأطرش هي أغنية «حموي يا مشمش/بلدي يا مشمش/عيد وحدتنا/ ملا سكتنا/ وفرش بيتنا زهر المشمش»، وهو ما أثار غيرة الزوجين سلمان وسلام فقررا على عجل إعداد أغنية منافسة كي تغنيها نجاح سلام في حفلة الليلة التالية بمدينة حلب.
وهكذا كتب عفيف رضوان «بدي عريس أسمر عربي/ شرط شرط/ شرط من المتحدة طلبي/شرط شرط/ بدي خدوده تفاح شامي/ وبدي شفايفه فستق حلبي/ يا مين يلبي لي طلبي». ثم قام محمد سلمان بتلحينها وتحفيظها لنجاح سلام قبل الحفل بخمس ساعات، مؤكداً عليها أن تكرر جملة «بدي عريس» أربع مرات في الحفلة.
وأثناء الحفل، الذي حضره الرئيس عبد الناصر وأعضاء حكومته الوحدوية وساسة سوريا اندفع محمد سلمان من خلف ستار المسرح وأمسك الميكروفون موجهاً كلامه إلى عبد الناصر بقوله: «الحقني يا ريس.. الوحدة ح تطيّر لي مراتي» وهو ما أضحك الجميع وسط التصفيق والهتاف للوحدة وزعيمها.
هكذا كان محمد سلمان، فناناً عفوياً حقيقياً صنع نفسه بنفسه معتمداً على مواهبه الفطرية وعلى فضول لا حدود له. كما كان صاحب ظرف وقفشات، وسريعاً في تحضير أغانيه، وفوضوياً في حياته وإخراج أفلامه. كانت الأفكار تهبط عليه فيدونها في ورقة ثم يسارع إلى تنفيذها. ومن ذلك أنه أثناء حرب أكتوبر 1973 كان في بيروت.
فقرر السفر فوراً إلى دمشق ليقدم أغنيته الوطنية «سوريا يا حبيبتي/ أعدتي لي كرامتي/أعدتي لي حريتي/أعدتي لي هويتي» التي ألفها ولحنها ثم غناها مع نجاح سلام والمطرب اللبناني محمد جمال في زمن قياسي.
ومن أغانيه غير السياسية الظريفة التي أنجزها بكلمات وألحان بسيطة، لكنها لقيت الاستحسان والانتشار السريع والواسع أغنية «يا ست قديش الساعة قوليلي/ لو حامل ساعة ما سألتك/ وحياتك مش حامل ساعة» من كلماته وألحانه. ثم أغنية زفة الأعراس «جينا وجينا وجينا/ جبنا العروسة وجينا»، ناهيك عن دويتو «دخل عيونك حاكينا/ لولا عيونك ما جينا/ وصلتينا لنص البير وقطعت الحبل فينا» التي أداها مع زوجته نجاح سلام من كلمات عبد الجليل وهبة وألحان فيلمون وهبي. وقدمها سنة 1955 في الفيلم المصري «السعد وعد» للمخرج محمد عبد الجواد من بطولته مع نجاح سلام وإسماعيل يس ومختار عثمان.