لبنان، الدولة الوطنية، بكل طوائفه وفئاته، يعود من سلسلة حروب طويلة، كان معظمها بفعل إرادات آخرين، ومع إيقاف الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، الأربعاء 27 نوفمبر 2014 بفضل مساعٍ دولية وإقليمية، حافظت على لبنان من الانزلاق، والمنطقة من الذهاب إلى طريق لا عودة منه.

والتاريخ يعلمنا أن أمواج الحروب، مهما بلغت من ذروة، لا بد أن تنكسر في وقت معين، والحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، بلغت ذروة صعودها، باتت كل الأطراف خاسرة، كأنها تخوض الحرب من أجل الحرب من دون هدف، فلم يحقق أي طرف أية أهداف جراء حالة الاشتعال منذ أكثر من عام.

تحركت القوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ومعها القوى الإقليمية الساعية إلى السلام، وطار المبعوث الأمريكي، آموس هوكستاين، بين الأطراف المتشابكة في جولات مكوكية، وتوصل في النهاية إلى إيقاف الحرب التي كادت تتسع لتشمل جميع دول الشرق الأوسط.

كاد صدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يوسع نطاق الحرب.

وبالفعل أمسكت بأطراف الخريطة اللبنانية، وهي خريطة حساسة بطبعها، وهشة بفعل عوامل عديدة أثرت فيها خلال أزمنة طويلة، لم يكن لبنان جاهزاً لهذا النوع من الحروب في هذا التوقيت.

فلبنان على موعد لم يأتِ بعد، مع اختيار رئيس جديد، وتشكيل حكومة دائمة تعبر عن جميع الطوائف، وانتخاب برلمان جديد، فضلاً عن الأزمة الأكبر في لبنان، وهي الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، الذي زاد من تعقيدات المشهد، وإرباك الحسابات في الداخل والخارج.

لبنان لما يمثله من أهمية في المنطقة والعالم، دفع قوى عديدة لطرح مبادرات لإيقاف الحرب بين حزب الله وإسرائيل، وعلى رأس هذه القوى، تأتي فرنسا وأمريكا. لا تزال تسود حالة ترقب وحذر كبيرة، لليوم التالي على تنفيذ هذا الاتفاق، الذي يقوم على مفهوم القرار رقم 1701، الصادر في أغسطس من عام 2006.

إن الترحيب بهذا الاتفاق، يؤكد بالضرورة الحرص العربي الكبير على استعادة لبنان، الدولة الوطنية ذات المؤسسات، الحريصة على التخلص من الصراعات الداخلية، التي كانت تدعو دائماً إلى تدخل قوى إقليمية أو دولية.

من يقرأ أبعاد هذا الاتفاق، قطعاً سيتوقف أمام العديد من المكاسب للمنطقة ولبنان، أول هذه المكاسب، أن لكل حرب نهاية، وأن الدروس المستفادة تؤكد أن طاولة المفاوضات، أقصر الطرق إلى السلام، وأن تنفيذ القانون الدولي، هو الطريق الصحيح في منطقة الشرق الأوسط.

والدليل هو أن الطرفين الإسرائيلي واللبناني، عادا إلى القرار الدولي 1701، كمرجعية أساسية لتحصين الحدود، وعدم الاعتداء بين الطرفين، وهي بادرة تؤكد أنه يمكن تطبيق القرارات الدولية المماثلة في الشأن الفلسطيني، وأن الأمم المتحدة.

ومجلس الأمن، لا يزالان قادرين على الفصل في القضايا العالمية الأخرى، وهذا يعني أن احترام القانون الدولي لايزال قائماً، برغم أن الذي يقوم بمبادرة الاتفاق الحالية الولايات المتحدة وفرنسا.

أما المكسب الثاني، فهو استعادة الهدوء على طول الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل، وعودة المهجرين على جانبي الحدود إلى منازلهم، خصوصاً أن الحرب تسببت في تدمير مساحات واسعة في الشمال الإسرائيلي والجنوب اللبناني، ناهيك عن التدمير الاقتصادي وهدم المدارس والمستشفيات في لبنان، ومع إيقاف الحرب سوف تتم عودة السكان أولاً.

وإعادة الإعمار لما هدمته الحرب ثانياً، واعتقد أن هذا الاتفاق سيكون نواة صلبة لإسكات صوت البنادق في لبنان، وعلى جميع حدوده، خصوصاً بينه وبين سوريا، فقد اعتدت إسرائيل أكثر من مرة على الحدود بين البلدين، بذريعة مكافحة تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان.

يأتي المكسب الثالث، في حالة تنفيذ إيقاف إطلاق النار بصرامة، هو ألا يكون لبنان منطلقاً للجيش الإسرائيلي لقصف سوريا، فخلال الـ18 عاماً الماضية، كانت إسرائيل تخترق الأجواء اللبنانية، لقصف الدولة السورية.

وذلك في خرق واضح لمضمون القرار 1701، الذي ينص على احترام استقلال وسيادة لبنان، وهو ما لم تفعله إسرائيل طوال السنوات الماضية، وفي حالة التنفيذ الصارم لمبادرة إيقاف إطلاق النار، فإن لبنان لن يصبح منصة لقصف أي دولة عربية أخرى.

أما المكسب الرابع، فيتمثل في عودة الجيش اللبناني، ليغطي مساحة كل لبنان، كونه معبراً عن جميع الطوائف اللبنانية، ويمثل النواة الصلبة للدولة اللبنانية، بعيداً عن الصراع المذهبي، وبتنفيذ القرار 1701، سيوجد الجيش في الجنوب اللبناني بكامل عتاده، دفاعاً عن الدولة اللبنانية الكاملة.

فضلاً عن أن هذه المبادرة، ستمنح لبنان الفرصة لالتقاط الأنفاس، والتفكير جدياً في اختيار رئيس توافقي يشطب فكرة الشغور الرئاسي الذي أفضى إلى الانقضاض على صلاحيات الرئيس، وزاد من تأزيم الأوضاع السياسية في البلاد.

إذن، إيقاف الحرب على لبنان، واحدة من الضرورات الحتمية لاستقرار المنطقة والإقليم، لأن استمرار الحرب بهذا المفهوم التوسعي، ربما تأكل الأخضر واليابس، ولحظتها لن تشفع أي محاولات لاستعادة الاستقرار في المنطقة.

فلا شك أن نجاح هذه المبادرة في لبنان، سينعكس على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومن ثم الانتباه إلى القضية المركزية، قضية فلسطين لإيجاد حل نهائي لأم القضايا.

إن الترحيب الشعبي اللبناني بإيقاف الحرب، يكشف عن جوهر هذا الشعب الذي يتوق إلى استراحة طويلة من حروب لم يكن صانعها أو راغباً فيها، وحان الوقت ليتخلص من آثارها للأبد.