في كل خطوات بناء الاتحاد، جسّد الشيخ زايد والشيخ راشد، طيب الله ثراهما، منهجاً استراتيجياً يقوم على التخطيط، والتنفيذ، والمراجعة، والتحسين المستمر، لكن ما يميز تجربتهما هو الروح الإنسانية العميقة التي أضافت أبعاداً لا تقاس بالأرقام، بل تُشعر بالأمل، وتلهم التغيير.

التخطيط: رؤية واحدة وهدف مشترك

بدأت القصة بحلم كبير وحوار صادق في لقاء السميح عام 1968، حيث اجتمع زايد وراشد، واضعين خريطة طريق تقود الإمارات إلى الوحدة. كان زايد يردد بفخر: «إن الاتحاد هو أن نصبح جميعاً كتلة واحدة منيعة، والاستفادة بما لدينا من إمكانيات وطاقات لتحقيق خير المواطن على أرضنا».

لقد رسما خطة تتجاوز حدود الطموحات الفردية، نحو بناء وطن تتكاتف فيه الإمكانيات لتحقيق أهداف مشتركة، مع فهم عميق للتحديات الإقليمية والدولية، ما جعل التخطيط أداة لتحصين الاتحاد وضمان استمراريته.

التنفيذ: بين أيدي القادة وحكمة الشركاء

عندما وُضعت الخطة لم تبق على الورق، فقد أظهروا التزاماً حقيقياً بتحقيق ما تم الاتفاق عليه. قال زايد واصفاً إسهام راشد: «الشيخ راشد ساهم دون أن أطلب، وساهم الآخرون كذلك، ولو أردنا من الشيخ راشد أن يدفع الضعف فلن يمانع، ونحن إخوان».

كان التنفيذ يتسم بالمرونة والواقعية، مع احترام الأدوار وتوزيع المهام بحكمة. وكانت العلاقة التي جمعت زايد وراشد علاقة فريدة تقوم على الثقة المتبادلة، ما أسهم في تحقيق خطوات متسارعة وملموسة في بناء مؤسسات الدولة.

المراجعة: النظر إلى التحديات بعين الحكمة

كان الشيخ زايد دائم التأمل في النتائج ومراجعة المسار، ففي كل محطة، كان يقيّم ما تحقق ويتساءل عن أفضل السبل لتحقيق المزيد. قال في إحدى المرات: «إن الوطن ينتظر منا الكثير، والشعب يتطلع إلى أعمالنا، ونحن جميعاً شركاء في المسؤولية».

هذه الروح النقدية، المصحوبة بالحكمة في اتخاذ القرارات، عززت قدرة الاتحاد على مواجهة التحديات والتكيف مع المتغيرات. لم تكن المراجعة مجرد رصد للأخطاء، بل بوابة لاستشراف مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

التحسين المستمر: إرث متجدد للأجيال القادمة

لم يقتصر طموح زايد وراشد على تحقيق الاتحاد فقط، بل كانا يعيدان ضبط الخطط لتحسين حياة كل فرد في الإمارات. قال زايد: «علينا جميعاً مواصلة المسيرة التي بدأناها لخدمة هذا الوطن وتحقيق تقدمه، وسوف تبقى هذه المسيرة مستمرة بفضل أبناء الوطن الأوفياء».

هكذا كانت كل خطوة إلى الأمام تُبنى على تحسين ما سبق، مع التركيز على الاستدامة والابتكار، وقد عزز ذلك ثقافة المسؤولية الجماعية، حيث أصبح كل فرد في الدولة شريكاً في البناء، وأداة لتحويل الخطط إلى واقع.

زايد وراشد: قيادة إنسانية تتجاوز المعايير

إن روح العملية التطويرية ليست مجرد دورة عمل، بل انعكاس لطريقة زايد وراشد في القيادة؛ حيث كانت قلوبهم تستمع قبل أن تتخذ القرارات، وعقولهم تخطط بعين المستقبل. هذه الروح الإنسانية ألهمت كل من حولهم، وخلقت اتحاداً لا يقوم فقط على المؤسسات، بل على القيم.

كما قال زايد يوماً: «العمل واكتساب الخبرة الحقيقية والتدرج خطوة خطوة في ميدان العمل من بداية السلم الوظيفي هو الطريق الصحيح للنجاح».

هكذا وضع زايد وراشد نموذجاً ليس فقط لدولة الإمارات، بل للعالم بأسره: كيف يمكن للقادة أن يبنوا الحاضر ويحلموا بالمستقبل، دون أن ينسوا أن العمل الجماعي هو أساس النجاح.

دورة تحسين لا تنتهي

اليوم، ونحن نحتفل بعيد الاتحاد، ندرك أن رحلة زايد وراشد لم تكن مجرد قصة نجاح، بل دورة حياة مستمرة، فكل خطة تُبنى اليوم تحمل روح التخطيط المحكم، والتنفيذ الدقيق، والمراجعة الصادقة، والتحسين المستمر، تماماً كما أرادها القائدان.

إن اتحاد الإمارات ليس إنجازاً ينتهي، بل بداية لدورة متجددة من العمل، تسير على خطى زايد وراشد، تحمل الأمل للأجيال القادمة. من هذه التجربة النموذجية نستلهم كيف يمكن لقيم التخطيط الاستراتيجي وروح الأخوة أن تصنع مستقبلاً يليق بتاريخ مشرف وأحلام عظيمة.