أخذت الحرب الإسرائيلية في الإقليم منعطفاً خطيراً. تعددت الجبهات. سيناريوهات الكارثة تتشابك وتتعقد. لا أفق لنهايات قريبة. كل التقديرات مفتوحة.

إلي أين سيسير الشرق الأوسط؟ وما الذي أوصله لهذه النقطة الحرجة؟

إن ما يحدث الآن في لبنان، من مجازر والاعتداء على دولة عضو في جامعة الدول العربية، وعضو في الأمم المتحدة، لهو جريمة تمزق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقد حذرت «اليونيفيل»، القوات الدولية لحفظ السلام، إسرائيل بأن أي اجتياح بري للحدود الدولية اللبنانية، هو اعتداء على سيادة اللبنانيين، ومناهض للقرار 1701، الذي يقضي بتنظيم الحدود بين جنوب لبنان، وشمال إسرائيل، وبهذا تصبح إسرائيل دولة معتدية، طبقاً لنص القرار سالف الذكر، وتستوجب العقاب من مجلس الأمن والأمم المتحدة.

إن سياسة نتانياهو، التي كسرت كل السقوف، وتجاوزت كل القوانين الدولية، والإنسانية، تقود الشرق الأوسط إلى حافة الهاوية، فالاعتداء على لبنان، ومن قبل على فلسطين، يعني أن هذه المساحة الشاسعة، ستؤدي إلى حروب استنزافية مستمرة، لا أحد يستطيع التنبؤ بمساراتها، ومآلاتها، فكل الخرائط مفتوحة على بعضها البعض.

الشاهد أن إسرائيل تتقاتل مع قوى إقليمية على أرض عربية، والضحية هو استقرار وسلامة الشرق الأوسط، بل سلامة العالم، فقد جر نتانياهو بأفكاره الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي ليقاتلوا معركته القائمة على أساطير.

وقد استوحى نتانياهو وهو يقصف ويغتال ويدمر تعبيرات توراتية، يريد بها أن يخاطب مجموعة المتطرفين داخل إسرائيل، ووضح ذلك جلياً عندما رفع خريطة لا تشمل وجود دولة لفلسطين، برغم أن ثلاثة أرباع العالم عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، يعترفون بفلسطين الدولة.

الأمر الذي يدفعنا للسؤال: هل شطب نتانياهو لفلسطين من خرائطه، يعني أنه يشطب ثلاثة أرباع العالم؟

لقد تساءل جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وهو الممثل لأكثر من ثلاثين دولة أوروبية كبرى من يوقف نتانياهو عما يفعله في غزة ولبنان وغيرهما؟

علامات الاستفهام تزداد غموضاً، لكن الإجابات تضعنا أمام التصور القديم المتجدد لإسرائيل تجاه المنطقة والإقليم والشرق الأوسط، فإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 لديها خرائط تسعى لرسمها وفرضها من جديد، لديها مخططات منذ المؤسسين الأوائل لها، مثل ديفيد بن جوريون، وجابوتنسكي، مروراً بشامير وجولدا مائير، وبيجن، وصولاً إلى نتانياهو.

تختلف الأسماء، لكن الفكرة واحدة، والفكرة هي محاولة إسرائيل لقيادة الشرق الأوسط كوكيل للعالم الغربي، بشقيه الأوروبي والأمريكي، فلا يمكن أن تحدث هذه القيادة بواسطة دولة صغيرة «20 ألف كيلومتر مربع» لإقليم شاسع، مساحته نحو 14 مليون كيلو متر مربع.

وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تنجح إسرائيل دائماً في جلب القوى الإقليمية المحيطة بالعرب، إلى ميادين القتال على المسارح العربية، ففي وقت معين، سوف تدرك هذه القوى أنها يجب أن تنكمش داخل حدودها، خوفاً على أمنها القومي الاستراتيجي، لذا أعتقد أن الأفكار الإسرائيلية المجنونة لا يمكن تحقيقها من خلال تحويل الشرق الأوسط إلى كتلة صماء، تتحرك على رمال ناعمة كما تخطط إسرائيل.

إن التاريخ البعيد والقريب، أثبت فشل النظرية الإسرائيلية هذه، ففي المرات التي دخلت فيها إسرائيل إلى الأراضي اللبنانية على سبيل المثال، خرجت مهزومة فاشلة، ودخولها هذه المرة لن يختلف عن المرات السابقة، وستغرق أيضاً في المستنقع اللبناني.

أما الضربات والاغتيالات والتدمير وقتل المدنيين، فله ساحة أخرى هي المحاكم الدولية، فضلاً عن أن هذه الضربات لا تعتبر حرباً بالمعنى المفهوم، ولا تستطيع أن تسيطر من خلالها على الأرض، وستدخل في حالة استنزاف دائمة، ناهيك عن إشاعة ثقافة العداء لدى الرأي العام العربي والعالمي تجاه السياسة الإسرائيلية.

إن الطريق إلى استقرار الشرق الأوسط واضح، ويبدأ من الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وعدم الاعتداء على سيادة الدول العربية الأخرى، وتطبيق القانون الدولي على الجميع.

الشاهد أنه يجب على الأمم المتحدة أن تستخدم قوة القانون الدولي، كما استخدمته في الخمسينيات في مسألة الصراع الكوري - الكوري، عندما تحركت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنعت تفاقم المشكلات، حين عجز مجلس الأمن في فض ذلك النزاع، والآن مجلس الأمن بات عاجزاً بسبب «الفيتو» الأمريكي الذي يدعم حليفه الإسرائيلي من دون منطق.

أخيراً أقول إن أفق الشرق الأوسط يضيق على الحل، الأمر يتطلب من قوى العالم أن تسارع بالزمن في قطع الطريق على حرب عظمى يمكن أن نطلق عليها «حرب القرن».

رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي