أي متابع من المهتمين بالشأن العربي يعرف على وجه اليقين أن المرحلة التي نمر بها مرحلة صعبة، بل وخطيرة، لأن هناك مجموعة من الأعداء الطامحين لإضعاف دول المنطقة، بل وإن أمكن التحكم في مستقبلها، على الرغم من ظلام المرحلة الدامس، إلا أن المرحلة المقبلة هي أكثر من صعبة بل وخطيرة، والسبب انتشار الأمية في فضائنا العربي، بسبب الصراعات الماثلة في حروب الأهل أو الحروب البينية.

بعد استقلال الدول العربية أو معظمها بعد النصف الأول من القرن العشرين، كانت هناك مشروعات لمحو الأمية في البلاد العربية، وفي مؤتمر الجامعة العربية عام 1954 اتخذ قرار بإنشاء أول «جهاز مركزي لمحو الأمية» في البلاد العربية، وبدأت الجهود العربية في كل دولة للقيام بذلك حتى أصبح الخبراء في وسط السبعينيات يبشروننا أن الربع الأول من القرن الحادي والعشرين سيكون الموعد المضروب للوصول إلى «صفر أمية أبجدية» في البلاد العربية، وبالفعل قام عدد من الدول ببذل الجهود للوصول إلى ذلك الهدف، ثم دخلنا في الصراعات الطويلة، بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي بنشوب الحرب العراقية- الإيرانية، وما تبعها من أزمات، ثم الاضطراب الكبير في سوريا، ومن بعده اليمن وأيضاً ليبيا، وأخيراً السودان ولبنان، فتحولت المدارس إلى إما ثكنات للعسكر، وإما ملاجئ للنازحين، وتشتت المدرسون وانهار نظام التعليم، إلى درجة أن ما بقي من الدول العربية محافظاً على نسبة أمية متدنية جداً لا يتعدى خمس دول، منها ثلاثة في الخليج.

بقية الدول العربية أخفقت في التخلص من الأمية الأبجدية، بل وانتشر في أرجاء الكثير من الدول الجهل، وتشرد الأطفال في الشوارع، فلا مدارس في السودان، واضطراب غير مسبوق في التعليم في كل من العراق واليمن والسودان ولبنان وسوريا، وبسبب النزوح وسكنى الخيام والصراعات المتفشية، أصبح لدينا جيل كامل سوف يكون فتياً في السنوات القليلة المقبلة يحمل صفة «لا يقرأ ولا يكتب»، فتسهل قيادته للتطرف.

تقول لنا الأرقام الحالية إن عدد سكان الدول العربية كمجموع حوالي 350 مليون عربي وعربية، مليون ونصف منهم لا يقرأ ولا يكتب، وتزداد النسبة بين النساء، وهن مربيات الجيل القادم.

علينا أن نتصور ما هي الأفكار التي سوف يعتنقها هذا الجيل، وكيف سيكون هشاً أمام أية أفكار متشددة وخرافية تحوله إلى قنابل موقوتة، وما هو مستقبل الإدارة والصناعة والخدمات في هذه البلاد المنكوبة.

هذا الجيل القادم الأمي يضاف إليه أمية أخرى، وهي أنصاف المتعلمين، بسبب سوء تقديم الخدمة التعلمية في بعض بلادنا، سوف يغرق في بحر من الجهل، في حين أن العالم أو معظمه يتحول إلى نور العلم.

المدهش أن الإحصاءات الحديثة تقول لنا إن الفلسطينيين كانوا من أكثر نسب المتعلمين، قبل عقدين فقط، وكان السبب الرئيسي وجود مؤسسة غوث اللاجئين ومدارسها «الأونروا»، إلا أن تلك النسبة بدأت تتراجع بسبب الصراعات، وخاصة الصراع في غزة، والذي يحول عليه الحول بلا مدارس ولا مدرسين، ولا أمل بإنقاذ هذا الجيل من الجهل! أضف إلى ذلك أن مدارس لبنان أو أكثرها تحولت اليوم إلى ملاجئ إيواء للنازحين، ما يعني تعطيل العمل الدراسي إلى وقت آخر، لا أحد يعرف متى يأتي.

أما في سوريا، والتي كان التعليم فيها يشق طريقه حتى قبل عقد من السنين، أصبح أطفالها أو كثير منهم مع أسرهم لاجئين مشردين، وأول ضحية اللجوء هو انعدام التعليم، فأصبحت نسبة الأمية في سوريا تكاد تصل إلى نصف أطفال سوريا من الجنسين.

العدو الأخطر والذي أفرزته كل تلك الصراعات هي الأمية، فهل نحن منتبهون؟!