يعاني النظام العربي الإقليمي منذ عقدين من الزمن كثيراً من الإجهاد. العقدان الماضيان بدآ مع أحداث سبتمبر الإرهابية حين قام 19 عضواً من تنظيم القاعدة الإرهابي بمهاجمة نيويورك وواشنطن وقتلوا ما يربو على الثلاثة آلاف شخص.

حينها عزمت الولايات المتحدة على إعلان الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه. أرسلت واشنطن قواتها العسكرية ضمن تحالف إلى أفغانستان للقضاء على نظام الطالبان. ونجحت في إسقاط الأخير واحتلت البلاد على أمل أن تحول هذا القطر البائس والتي تكالبت عليه القوى الداخلية والخارجية منذ أمد إلى واحة ديمقراطية واقتصاده مزدهر.

احتمال ذلك كان بعيد المنال أصلاً، ولكن مع التحول نحو العراق جعله مستحيلاً. غزت الولايات المتحدة العراق في 2003 للقضاء على صدام حسين وتحويل ليس العراق ولكن المنطقة إلى الديمقراطية، والتي أكدت واشنطن مراراً وتكراراً على أن انعدامها هو سبب الإرهاب.

وبدلاً من أن تتأسس الديمقراطية تجذرت الطائفية والإرهاب في بلاد ما بين النهرين. ودخلت البلاد في أتون حرب أهلية لم ير العراق مثلها. سقوط العراق أدى إلى اهتزاز أهم أركان النظام العربي الإقليمي، وأصبحت القوى الإقليمية والخارجية ترتع كما تشاء بسبب اضمحلال قوة الدولة.

الغزو الأمريكي لم يتسبب في انهيار النظام البعثي بل أدى إلى تداعي الدولة ومؤسساتها، وخصوصاً القوات المسلحة والتي تشكل العمود الفقري لأية دولة.

بدأت الجماعات ما فوق الدولة (حركات الإسلام السياسي) وما دون الدولة (الطوائف الدينية والتنظيمات الاجتماعية) تملأ الفراغ مع تقهقر الدولة الوطنية ومؤسساتها.

ثم أتت الثورات العربية والتي بدأت من تونس وتمددت في أرجاء العالم العربي. بكل تأكيد كانت هناك مسببات محلية لظهور هذه الثورات مثل غياب الشرعية السياسية، ضعف الأداء الاقتصادي، وترهل مؤسسات الدولة بسبب الفساد وغياب المساءلة وانعدام سيادة القانون.

بدأت الدولة الوطنية في التحلل والتفكك، والتي هي المكون الأساس للنظام الإقليمي. وأصبح الإقليم يفتقد إلى مرتكزاته. كان العراق وسوريا من أهم الأقطار العربية في ميمنة وميسرة الإقليم العربي. وكان النظام العراقي يفاخر بأنه البوابة الشرقية للعالم العربي.

وكانت سوريا في موقعها الجغرافي الوسيط في الشرق الأوسط تتحكم بكثير من مداخل الإقليم ويفاخر النظام السوري بأن من سوريا تتقرر الحرب. وكما ذكر الصحافي البريطاني المتخصص في سوريا، باتريك سيل، في كتابه الشهير «الصراع حول سوريا» أن من أراد أن يسيطر على الشرق الأوسط عليه أن يسيطر على سوريا.

كانت مصر تلعب دور القائد في المنطقة وكان الرئيس المصري الراحل أنور السادات يقول إن قرار الحرب وقرار السلام يتخذ في القاهرة. كان هناك كثير من الصحة في هذا الكلام، لأن مصر كانت الدولة الرئيس في النظام العربي الإقليمي.

ولكن ما لم يدركه الرئيس الراحل أن العلاقة جدلية بين الدول العربية ومصر. مصر قوية بقوة العرب وضعيفة بضعف العرب.

اليوم تعلن مصر أنها ليست في وارد قيادة أحد بل للشراكات مع الدول الأخرى، خصوصاً في الإقليم. ليست هناك دولة قائدة في النظام الإقليمي وليس هناك قضية توحد العرب. معظم الدول العربية أصابها الوهن.

وبالتالي لا تستطيع لعب دور إقليمي بل تبحث عن البقاء في مجتمع دولي تتخطفه قوى طموحة تريد أن تنال جزءاً من كعكة العالم العربي. لا بد للدول العربية أن يكون مشروعها تقوية الدولة الوطنية والحفاظ على وحدتها الوطنية وستكون النتيجة الحتمية استعادة عافية النظام العربي. وكما يقول المثل ما لا يدرك كله لا يترك جله.