لماذا تهاجم إسرائيل حزب الله في جنوب لبنان؟ سؤال قد يبدو غريباً وساذجاً لدى البعض، لكن محاولة البحث في إجابات مختلفة عنه ربما تقودنا إلى رؤى متعددة وليس فقط مجرد إجابة سريعة وسطحية.

لو سألت هذا السؤال لأي مسؤول إسرائيلي فسوف يقدم لك إجابة جاهزة، وهي أن حزب الله هو من بدأ الهجوم عليهم ابتداء من 8 أكتوبر الماضي، وأن الحزب هو من تباهى بذلك إسناداً للمقاومة الفلسطينية في غزة، التي تتعرض منذ 7 أكتوبر الماضي لعدوان إسرائيلي غير مسبوق رداً على عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها حركة حماس صباح اليوم نفسه.

السبب الثاني السهل والبسيط للإجابة عن هذا السؤال هو أن هجمات حزب الله على إسرائيل قد أدت إلى نزوح ما بين 70 و 90 ألف إسرائيلي من قراهم ومدنهم ومستوطناتهم، خصوصاً في منطقة الجليل الأعلى شمال إسرائيل المحاذية للحدود اللبنانية.

هؤلاء المهجرون يعيشون في فنادق على حساب الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يكلفها الكثير من الأموال، ولكن أيضاً يكلفها الكثير من سمعتها، كل القوى والأحزاب الإسرائيلية بلا استثناء وجهوا طوال الشهور الماضية انتقادات واسعة إلى حكومة بنيامين نتانياهو بسبب تقاعسها وترددها في الدخول في حرب شاملة مع حزب الله، والاكتفاء بعمليات قصف في إطار ما عرف بقواعد الاشتباك المحدود أو المنضبط.

بعض المنتقدين في إسرائيل لنتانياهو كانوا يطالبونه دائماً بالوصول إلى اتفاق هدنة مع الفلسطينيين في غزة يطلق سراح الأسرى، على أن يتفرغ لتدمير حزب الله، ومن بين هؤلاء بيني غانتس ويائير لابيد، وهما من أشد المطالبين بوقف النار في غزة.

وبعد أن انتهى الجيش الإسرائيلي تقريباً من معظم عملياته الأساسية في قطاع غزة موجهاً ضربات شديدة الإيلام لحركة حماس وبقية الفصائل، استدار إلى الضفة الغربية لمدة شهر عانت خلالها قتلاً وتدميراً، خصوصاً في المخيمات، وبالأخص في جنين وطولكرم، وقتل أكثر من 600 فلسطيني واعتقل أكثر من 10 آلاف آخرين.

هذه العمليات المكثفة في الضفة استغرقت أكثر من شهر، ثم جاءت الاستدارة الكبرى إلى جنوب لبنان، التي بدأت بعملية تفجيرات «البيجر»، وأعقبتها العملية النوعية باستهداف اجتماع لرئاسة أركان وهيئة عمليات حزب الله في أحد مباني الضاحية الجنوبية لبيروت، التي كان أبرز ضحاياها إبراهيم عقيل، رئيس أركان الحزب وأهم شخصية قيادية فيه بعد فؤاد شكر، رئيس الجناح العسكري للحزب، الذي اغتالته إسرائيل أيضاً في عملية نوعية أواخر يوليو الماضي، إضافة لاغتيال العديد من قادة الحزب العسكريين و500 عنصر من عناصر الحزب، إلى جانب الضحايا المدنيين من أهالي الجنوب.

نظرياً، فإن الحكومة الإسرائيلية تريد هدفاً سريعاً من وراء هجومها الكاسح على جنوب لبنان، الذي تجاوز الجنوب إلى مناطق أخرى كثيرة في لبنان، منها البقاع، بل وبعض المناطق شمال العاصمة بيروت، كما حدث الأربعاء الماضي في كسروان.

إسرائيل تريد أن ينسحب حزب الله من مناطق انتشاره في الجنوب ويعود إلى ما وراء نهر الليطاني، أي يبعد عن حدودها بـ30 كيلومتراً على الأقل تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

وأظن أن إسرائيل لن تكتفي بهذا الأمر، والسبب هو أن حزب الله صار يملك صواريخ وصل بعضها إلى تل أبيب بالفعل. واستهدفت صواريخ أخرى مواقع عسكرية في حيفا، وتعتقد مصادر مطلعة أن الحزب لديه 150 ألف صاروخ يستطيع بعضها أن يصل إلي أي مكان في إسرائيل.

ونتيجة لذلك، فإن إسرائيل تهدف بالأساس إلى القضاء على البنية العسكرية للحزب، خصوصاً مخازن صواريخه ومنصات إطلاقها، حتى تقضي تماماً على أي تهديدات في المستقبل، وبالتالي ما لم تحدث معجزة فإن الحرب مستمرة لفترة ليست بالقليلة إلى أن تحقق إسرائيل هذا الهدف أو تتوقف بسبب الفشل والخسائر البشرية في صفوف قواتها أو تعرض مناطق مدنية للقصف الشديد.

وما لم يحدث أي مما سبق فلن يوقفها أحد، خصوصاً أن كل التصريحات الأمريكية تتحدث فقط عن القلق من اتساع نطاق الحرب لتعم كل المنطقة، لكن على الأرض فإن واشنطن أعلنت بوضوح دعمها الكامل لإسرائيل، وأنها أرسلت أسلحة ومعدات للتدخل إذا تعرضت إسرائيل لأي هجمات لا يمكن صدها، بل وأعلنت إسرائيل الخميس الماضي أن واشنطن وافقت على تزويدها بأسلحة ومعدات بمليارات الدولارات كمساعدات طارئة لدعم جهودها العسكرية في لبنان.

السؤال: هل ما سبق هو كل الأهداف الإسرائيلية من الحرب على لبنان؟

الإجابة هي لا. وظني الشخصي أن هناك عاملاً استراتيجياً مهماً للغاية، هو أن إسرائيل تحاول بكل الطرق جر إيران إلى مواجهة مفتوحة للقضاء على برنامجها النووي وكل الأذرع السياسية والعسكرية المؤيدة لها في المنطقة. وحتى اللحظة فإن إيران لا تريد أن تعطي إسرائيل هذه الفرصة، وهذا أمر شرحه يطول.