أكتب هذا المقال وأنا لا أعلم ما ستأتي به «العواجل» التي نشاهدها على شاشات القنوات الإخبارية في التلفزيون بعد أن أنتهي من كتابته، فكل «عاجل» جديد يفاجئنا بحدث أكبر من الذي شاهدناه قبل دقائق في «عاجل» أصبح قديماً.

أكتب هذا المقال بعد أن استمعت إلى آراء كثيرة مما تمطرنا به القنوات الإخبارية طوال ساعات النهار والليل، ينتمي طارحوها إلى اتجاهات ومشارب مختلفة، يتفقون على أشياء، ويختلفون على أشياء، لكنهم يجمعون على أن ما حدث منذ السابع من أكتوبر عام 2023 وحتى اليوم هو منعطف تاريخي، ليس في مسار المنطقة العربية فقط، وإنما في مسار الشرق الأوسط ومناطق العالم أجمع، سوف تكون له تداعياته وتبعاته لسنوات طويلة قادمة، وتكون له آثاره على أجيال قادمة لا نعرف عددها.

لا أقصد بكلمة «طوفان» التي وضعتها في العنوان «طوفان الأقصى» الذي أطلقته حركة «حماس» على ما قامت به قبل عام، ولكن ما أحدثه ذلك من تغيير شامل في كل النظريات والاستراتيجيات والسياسات، سواء كان هذا التغيير سلبياً أو إيجابياً، تبعاً لموقف كل طرف مما حدث، ووفقاً للزاوية التي ينظر منها إلى ما حدث، والقاعدة التي يستند إليها في تحليل ما حدث، وما إذا كان هذا الحدث خطوة للأمام، كما يراه المؤيدون، أو هو خطوات للخلف، كما يراه المعارضون، ونحن نقف على مسافة متساوية من الفريقين.

المؤيدون لما حدث يرون أنه كان ضرورياً لتحريك القضية الفلسطينية، التي هي أساس كل ما يحدث في المنطقة، ويعتقدون أن طرفاً، أو جماعة، أو حركة، أو فصيلاً ما كان يجب أن يقدم على هذه الخطوة لينال شرف التحريك، مهما كانت ضريبة ما سيقدِم عليه وضحاياه وتبعاته، وهم ما زالوا مصرين على هذا الرأي لا يتزحزحون عنه.

والمعارضون والمتحفظون على ما حدث، يرون أن الضريبة كانت عالية جداً، إلى الدرجة التي لا يستطيع تحملها الشعب الفلسطيني والمحور الذي أطلق على نفسه «محور المقاومة» وهو يتلقى الضربات الآن.

ويعتقد كثيرون أن بنيته تتهاوى، إن لم تكن قد تهاوت فعلاً، أمام الضربات التي تلقتها قيادته المتمثلة في «حزب الله» المدعوم من إيران، وأذرعه في اليمن والعراق وسوريا، بعد عشرات الآلاف من الضحايا الذين سقطوا في غزة والضفة الغربية ولبنان.

وبعد التدمير الهائل الذي تعرضت له غزة على مدى عام كامل، وتتعرض له الضاحية الجنوبية في لبنان والجنوب اللبناني الآن، مما قد يحول الضاحية والجنوب إلى غزة جديدة، أو هو قد حولهما فعلاً.

كما نرى في المشاهد التي تنقلها لنا كاميرات التلفزيون، إلى الدرجة التي لم نعد معها قادرين على التفريق بين غزة والضاحية الجنوبية من بيروت والجنوب اللبناني ونحن نتابع الأحداث.

واضح أن ثمة خرائط جديدة تُرسَم للمنطقة، وإلا فلن يكون لما حدث على مدى عام كامل معنى. وإذا كانت بعض الأطراف لا تعرف خطورة ما حدث، أو كان مغرراً بها، فإن أطرافاً أخرى تعرف هذا جيداً، وهي تخطط وتنفذ على الأرض.

والبعض يستفيد مما يحدث، حتى لو كان هذا على حساب المدن والقرى التي تُدمَّر، والأرواح التي تُزهَق، والدماء التي تسيل، والسكان الذين يتم تهجيرهم من مدنهم وقراهم، فعندما تصبح الأحلام الكبرى على المحك تتراجع المصالح الصغرى، وتتصدر المصالح الكبرى واجهة المشهد.

أكتب هذا المقال وأنا لا أعلم فعلاً ما إذا كان شيء كبير سيحدث قبل نشره، أو أن شيئاً كبيراً قد حدث فعلاً بعد كتابته، فلست في موقع الذين أصبح بيدهم القرار الآن، ولا أنا في موقع المحللين والخبراء الاستراتيجيين الذين يحتلون شاشات القنوات الإخبارية هذه الأيام، يتوقعون ويتنبؤون.

ويتابعون معنا المعارك التي أصبحت القنوات الإخبارية تنقلها لنا على الهواء مباشرة، في الوقت الذي تدور فيه بعيداً عن الكاميرات معارك أخرى لن نعرف نتائجها إلا بعد أن تنطفئ الأضواء وتخمد النيران ويتوقف الدخان المتصاعد من الركام، بعد أن نكون قد خسرنا عشرات الآلاف من الأرواح، ومئات الكيلومترات من الأراضي، وكل الممتلكات.عندها فقط سنعرف من الذي جرفه الطوفان الحقيقي، الذي خططت له أطراف واستفادت منه أطراف.

كاتب وإعلامي إماراتي