قال الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، خلال حملاته الانتخابية للفوز بالبيت الأبيض، الذي سيدخله رسمياً في العشرين من يناير 2025، إنه سوف يعطي الأولوية لإنهاء الحرب الأوكرانية - الروسية، بل أكد أنه قادر على ذلك فور توليه مسؤولياته رئيساً للولايات المتحدة، وليس من الواضح حتى الآن كيف سيخطط ترامب لذلك، وما الأدوات التي سيستعين بها؟

بعض المراقبين أشار مؤخراً إلى أن احتمال أن يعتمد ترامب على الهند في تحقيق ذلك، زاعماً أن ترامب لن يخاطر فجأة بإعادة قنوات الاتصال المقطوعة مع موسكو، أو عقد لقاء قمة عاجل مع نظيره الروسي دون مقدمات وضمانات بنجاح مسعاه.

وينطلق هؤلاء من حقيقة أن الهند صديقة للولايات المتحدة ولروسيا في الوقت نفسه، وأبدت مراراً استعدادها للتوسط، وزعيمها، ناريندرا مودي، تربطه علاقات جيدة مع ترامب، ونظيره فلاديمير بوتين، الأمر الذي يجعله وسيطاً مقبولاً ومثالياً في أي عملية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا الجريحة.

والمعروف أن نيودلهي التزمت مبدأ الحياد منذ تفجر الأزمة الأوكرانية، فامتنعت عن التصويت على القرارات المناهضة لروسيا، سواء في مجلس الأمن الدولي أو في المحافل الأخرى متعددة الأطراف.

كما رفضت الامتثال للعقوبات التي فرضها الغرب على موسكو، لكنها في الوقت نفسه دعت إلى إنهاء الحرب، واحترام مبادئ القانون الدولي، ورفضت فكرة قيام دولة باحتلال أراضي دولة أخرى.وبهذه المواقف صارت نيودلهي بمثابة صمام تنفيس لموسكو من الضغوط الغربية.

وقد تجلى ذلك عملياً في شراء الهند للنفط الروسي بأسعار رخيصة بالروبية الهندية، بل صارت ثاني أكبر مشترٍ له بعد الصين، ما أدى إلى ارتفاع قيمة التجارة الهندية - الروسية الثنائية من 12 مليار دولار عام 2021 إلى 65 مليار دولار عام 2023. ومما لا شك فيه أن انخفاض فواتير النفط المستورد لعب دوراً في تعزيز النمو الاقتصادي القوي في الهند.

والذي بلغت نسبته 8.2% في العام الماضي، كما تجلى ذلك أيضاً في بروز قطاع الدواء الهندي مصدراً رئيسياً لكل احتياجات الأسواق الروسية من الأدوية والأمصال والمعدات الطبية، التي توقف استيرادها من الغرب بفعل العقوبات.

ويمكن القول إن الغرب، الحانق على بكين وسياساتها الإقليمية التوسعية، بدا ممتناً وسعيداً بهكذا الدور الهندي لأنه أعاق زيادة اعتماد روسيا الكبير على الصين، بدليل أن الغرب تجاهل خرق الهند للعقوبات التجارية والاقتصادية والمالية المفروضة على روسيا، ولم يعاقبها .

كما عاقب غيرها، ويتفق هذا مع سياسة ترامب، التي أعلن عنها قبل الانتخابات الرئاسية والقاضية بالعمل على منع وتحجيم اي تقارب روسي ـ صيني، والحيلولة دون توحيد جهودهما.والمكافأة الأخرى التي حصلت عليها الهند، التي لا غنى عنها في إدارة توازن القوى الأوراسي في مواجهة الصين تمثلت في السماح لها من قبل واشنطن باستخدام ميناء «تشاهبهار» للإتجار مع أفغانستان.

لكن استمرار هذا مرهون بنوعية ومدى الضغوط التي سيقررها ترامب ضد النظام الإيراني.من جهة أخرى، فإن احتمال قيام الهند بلعب دور مساعد في خطط ترامب لوضع نهاية للأزمة الأوكرانية تعززه التعيينات الجديدة في الإدارة الأمريكية المقبلة، ومنها ثلاث شخصيات ترتبط بعلاقات وثيقة مع الهند وزعيمها مودي وهم:

المرشحة لمنصب مدير المخابرات الوطنية تولسي غابارد (كانت أول نائب هندوسي في الكونغرس الأمريكي)، والمرشح لمنصب مستشار الأمن القومي مايك والتز (له مواقف متشددة ضد الصين، ويتولى حالياً منصب الرئيس المشارك للتجمع الهندي، وطالب بادخار الأموال المنفقة على حرب أوكرانيا لإنفاقها ضد الصين).

والمرشح لمنصب وزير الخارجية السيناتور مركو روبيو (معد ومقدم قانون التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والهند في يوليو الماضي).قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل سيقوم بوتين بزيارة إلى الهند، وطبقاً لبعض المحللين الهنود فإن هذه الزيارة قد تكون فرصة مناسبة لكي يبحث مودي مع بوتين اقتراحات عملية حول أفضل طريقة، للتوصل إلى تسوية في أوكرانيا تكون مقبولة لدى روسيا وبقية الأطراف.

ومناقشة المعايير العسكرية والاقتصادية المحتملة لصفقة ما بين موسكو وكييف، على أن يقوم مودي بنقل النتائج والأفكار والمقترحات التي أثيرت لنظيره الأمريكي، ربما مع التشديد على فكرة أن أي رفض أو إبطاء أمريكي للتسوية بغية الحصول على مكاسب أكبر سوف تدفع موسكو أكثر فأكثر إلى أحضان الصين وكوريا الشمالية، وأن سرعة إنجاز التسوية سيجعل الإدارة الأمريكية الجديدة في وضع أفضل للتفرغ لمواجهة الصين. وبطبيعة الحال ليس من المتوقع الإعلان عن تفاصيل أي صفقة قبل نضوجها تماماً.