المتفائل صنع الطائرة، لكن المتشائم صنع المظلة، ولا داعي للمفاضلة بينهما.

لكل شيء جديد، هناك مؤيدون ومعارضون، والأمر نفسه ينطبق على الذكاء الاصطناعي في التطورات الجديدة التي نعيشها. فأي موقف نتبنى ونحن نعيش هذه التطورات يوماً بيوم؟

مثلما أحدث اختراع الطائرة ثورة في مجال النقل، فإن ظهور الذكاء الاصطناعي على وشك تغيير وجه التعليم بطرق غير مسبوقة. وتأتي هذه التكنولوجيا الجديدة بمجموعة من التحديات ودواعي القلق الخاصة بها، إذ ينظر البعض إلى الذكاء الاصطناعي على أنه «صندوق باندورا»، قادر على إطلاق العنان لعواقب غير متوقعة، وربما ضارة على العالم.

وباندورا هذه في الأسطورة الإغريقية، امرأة أعطيت صندوقاً مليئاً بالشرور، وأوصيت ألا تفتح الصندوق، لكن الفضول غلب على المرأة، ففتحت الصندوق، فتطايرت كل الشرور من الصندوق، وانتشرت في العالم انتشار النار في الهشيم، وعندما انتبهت باندورا إلى شناعة فعلتها، أغلقت الصندوق، لكن في ذلك الوقت لم يكن قد بقي فيه إلا الأمل، فأغلقت المرأة الصندوق على الأمل وحيداً.

أولئك الذين يحذرون من الذكاء الاصطناعي، يشبهونه بـ «صندوق باندورا». وهم يجادلون بأن فتح الباب على مصراعيه أمام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية، بل ويهدد وجود البشرية ذاته.

ويتردد صدى هذه المخاوف بشأن الكثير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الكثير من المجالات التي سوف نستعرضها في هذه المقالة والمقالات اللاحقة، مع التركيز على الفوائد والمنافع التي يمكن للذكاء الاصطناعي تقديمها في عالم التعليم.

مصباح علاء الدين

من الجانب الآخر، يعتقد آخرون أن الذكاء الاصطناعي يشبه مصباح علاء الدين في ألف ليلة وقصة الجني، الذي يحقق لصاحب المصباح كل أمنياته، وبالتالي، فالذكاء الاصطناعي أداة فعالة لا مثيل لها، قادرة على تحقيق رغباتنا، والدخول في عصر جديد على شتى الصعد، وفي كل المستويات، وفي جميع مجالات النشاط البشري، ومنها التعليم.

فهؤلاء المؤيدون والمناصرون للتقنيات الجديدة في التعليم العالي، يتصورون مستقبلاً يقوم فيه الذكاء الاصطناعي، بتخصيص التعلم وأتمتة المهام، وتوسيع نطاق الوصول إلى التعليم، والعديد من الفتوح التقنية الجديدة، التي لم نعرف لها مثيلاً من قبل.

وترى هذه النظرة المتفائلة للذكاء الاصطناعي هذا الذكاء قوة خير وفائدة ومنفعة قادرة على إحداث إنجاز خارق في وسائل وأساليب وتقنيات التعليم.

هذا الانقسام في الآراء، ليس مفاجئاً ولا مستهجناً. وكما نعرف من تاريخ التطور العلمي، فإن كل تقدم تكنولوجي جديد، يجلب معه الكثير من المواقف التي تتفاوت في شدة التأييد والاستنكار من المؤيدين والمتشككين والمستنكرين والمعارضين. وأرى أنه من الأهمية بمكان، الاعتراف بجميع المواقف وأصحابها، وفهم هذه المواقف ودواعيها وأسبابها.

فذلك يجعلنا أقدر على تسخير قوة الذكاء الاصطناعي بأمان وفعالية في التعليم.في المقالة الثانية من هذه السلسلة، سوف نتحدث عن جملة من التحديات والمخاطر والفوائد والمنافع والفرص التي تترافق مع استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي ينبغي الإلمام بها من قبل القائمين على مؤسسات التعليم من مسؤولين وممارسين على كافة المستويات، وفي كافة التخصصات المهنية.

  رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية