تمثل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة بتمكين ممارسات المسؤولية المجتمعية نقطة مفصلية في تطوير نماذج العمل الحكومي والتعاون مع القطاع الخاص كشريك أساسي واستراتيجي من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة في الإمارات، فمن خلالها طورت الدولة مبادرات استباقية لترسيخ مبادئ ومفاهيم المسؤولية المجتمعية لدى المجتمع وقطاع الأعمال، وتوجيه مساهمة القطاع الخاص في المشاريع التنموية ذات الأولوية بالدولة، سعياً لدعم نمو الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته إقليمياً وعالمياً، ورفع مساهمة الشركات في تحسين جودة الحياة في المجتمع كله، ودعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ولأن المستقبل يصنع اليوم، كانت رؤية الدولة واضحة بشأن ترسيخ مكانة الإمارات كمحرك عالمي للأثر المستدام، والارتقاء بمستويات التعاون والشراكة مع القطاع الخاص إلى مرحلة جديدة، وخلق الفرص والممكنات التي تركز على دعم نهج الاستدامة، وتحفيز تبني ممارسات المسؤولية المجتمعية للشركات (CSR)، التي تعد إطاراً عاماً يحدد السبل التي يمكن للشركات من خلالها تقديم قيمة مضافة للمجتمع.
وفي هذا الاتجاه، طورت الإمارات نموذجاً فريداً في الشراكة بين الحكومة وقطاع الأعمال، يقوم على ترسيخ مبدأ وحدة الهدف فيما يخص تحقيق النمو الشامل والمستدام، الذي يعود بالفائدة والرفاهية على الجميع، وتعزيز التعاون والتكامل في كافة أنشطة ومجالات المسؤولية المجتمعية، وبما يوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي الطويلة المدى من جهة، وبين الحوكمة المؤسسية والمجتمعية والبيئة ومعايير الاستدامة والازدهار المجتمعي من جهة أخرى.
وأسهم هذا النموذج الرائد في إطلاق مبادرات ومشاريع مبتكرة غايتها الأولى تعزيز رفاهية المجتمع وتمكين أفراده وزيادة فرص العمل ورفع الإنتاجية وتوفير الخدمات الأساسية وغيرها، بما يصب في دفع عجلة التنمية المستدامة ورفع مكانة وسمعة دولة الإمارات لتكون المجتمع الأكثر ازدهاراً عالمياً بحلول العقد المقبل في ضوء المستهدفات الوطنية لرؤية «نحن الإمارات 2031»، ومحددات «مئوية الإمارات 2071».
ولا شك أن ما يشهده العالم اليوم من متغيرات اقتصادية واجتماعية جوهرية بات يؤثر بوضوح في نهج عمل الشركات وأولوياتها المستقبلية، إذ لم يعد الهدف الأوحد للشركات متمثلاً بتعظيم الأرباح وزيادة حصتها السوقية، بل أصبحت المسؤولية المجتمعية للشركات (CSR) جزءاً أساسياً من استراتيجيتها طويلة الأمد، وأصبح ينتظر منها المشاركة في تحمل مسؤوليات مجتمعية أكبر، والالتزام بالمساهمة في معالجة التحديات الاجتماعية والبيئية، والمشاركة في تحقيق الأهداف التنموية الوطنية والعالمية ذات الصلة.
وفي ضوء ذلك، يولي الصندوق الوطني للمسؤولية المجتمعية «مجرى» اهتماماً متزايداً بتوجيه الشركات نحو توسيع نطاق أثرها المجتمعي المستدام بالتعاون مع القطاع الحكومي لإدراج التحديات التنموية واحتياجات المجتمع ضمن استراتيجيات عملها وخططها التشغيلية، وتبني ممارسات المسؤولية المجتمعية المستدامة وضمان توافقها مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، وذلك من منطلق دور الصندوق كحلقة وصل تتلاقى من خلالها المساعي المجتمعية من مختلف القطاعات، والجهة المختصة بالمصادقة على المشاريع المستدامة واعتمادها للحصول على الدعم المطلوب من القطاع الخاص.
كما اعتمد «مجرى» عدداً من الاستراتيجيات في هذا الصدد، منها استراتيجية منح «وسام الأثر للمسؤولية المجتمعية والاستدامة» بفئاته الثلاث، البلاتينية والذهبية والفضية، للشركات والمؤسسات في الدولة، تقديراً لتبنيها ممارسات مستدامة، وسعياً لإضفاء طابع وطني رسمي يربط اسم هذه الشركات بمضامين المسؤولية المجتمعية، ليكون بمثابة معيار موحد تطمح إليه المؤسسات المختلفة كهدف أسمى يجسد التزامها بالمساهمة في تحقيق مستهدفات التنمية المجتمعية من جهة، ويكسبها ميزة سوقية تنافسية من جهة أخرى.
ومن هذا المنطلق، لدينا إيمان راسخ بأن المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص تسهم بدور مهم وحيوي في تعزيز مرونة بيئة الأعمال، ورفع قدرة المؤسسات والأفراد على مواجهة الأزمات والتكيف مع المتغيرات، وتحقيق النمو على المدى الطويل، بما يصب في بناء مستقبل مستدام لدولة الإمارات، ويدعم تحقيق الأهداف الوطنية للمسؤولية المجتمعية، وفق «الاستراتيجية الوطنية للاستدامة» و«البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية» ومبادرة «عام الاستدامة» لعامين على التوالي، التي تشجع الشركات على تبني ممارسات تستهدف تعزيز رفاهية المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة.
ومما لا شك فيه أن مظاهر نجاح هذه الاستراتيجيات الوطنية تتجلى في تمكين القطاع الخاص من تبني ممارسات مسؤولية مجتمعية مستدامة تعزز من استمرارية الأعمال، وتسهم في تحسين صورة وسمعة الشركات وزيادة ولاء عملائها لها، وبالتالي تنامي ميزتها التنافسية في السوق وزيادة الإقبال على خدماتها ومنتجاتها وارتفاع قيمة أسهمها، فالعملاء في عصرنا الحالي باتوا أكثر وعياً حيال القضايا الاقتصادية والبيئية والاجتماعية وأصبحوا أكثر ميلاً نحو الشركات التي تحمل القيم نفسها.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أهمية التزام الشركات بالمعايير البيئية والاجتماعية، وأن يكون لديها الوعي الكافي بمسؤولياتها المجتمعية، وهذا الأمر من شأنه تعزيز قدرتها على الاستمرارية والمنافسة داخل الأسواق والتوسع في أنشطة ومجالات جديدة، وكذلك دعمها في التفوق على منافسيها، كونها تتمتع بقدرة كبيرة على الاستجابة للتحديات والمتغيرات العالمية، إضافة إلى جذب المستثمرين والشركاء والكوادر التي تتطلع إلى العمل ضمن بيئة تأخذ باعتبارها احتياجات المجتمع وتلتزم بالتنمية المستدامة.
ختاماً، أؤكد أن الجهود الوطنية لصندوق المسؤولية المجتمعية «مجرى» مستمرة في تعزيز ريادة دولة الإمارات إقليمياً وعالمياً في مجال المسؤولية المجتمعية، واستكمال مسيرة النجاحات للاقتصاد الوطني، وتوفير الفرص والممكنات لتعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في مختلف القطاعات، والمساهمة في تنفيذ مشاريع مستدامة وذات أولوية وطنية، لا سيما أن «مجرى» استطاع أن يؤدي دوراً حيوياً على مدار السنوات الماضية في تعزيز توجه الشركات في الدولة نحو المسؤولية المجتمعية، ورفدها بالممارسات المستدامة، ونشر ثقافة ريادة الأعمال الاجتماعية، بما يدعم بناء مستقبل أكثر تقدماً وازدهاراً لدولة الإمارات.