كان لا بد لأحداث الشرق الأوسط الأخيرة أن تقع. أين ومتى وكيف على وجه الدقة تنفجر واحدة من العديد من الشرارات المحترقة في هذه المنطقة وتتحول إلى ما نشهده اليوم، كل هذا كان أمراً غير معلوم، ولكن التوتر والغضب كانا يتصاعدان بشكل ملموس على امتداد فترة طويلة.

لا يعلم أحد إلى أين تمضي هذه الاحتجاجات على امتداد المنطقة، ولكن هناك شيئاً واحداً يتسم بالوضوح، وهو حتمية كسر النموذج القاسي وفاقد الأهلية والفاسد، الذي هيمن على دول عدة في المنطقة، والذي يلتهم التفاؤل والأمل والإبداع من قلب هذه المجتمعات.

إن ما تطالب به شعوب المنطقة هو تمكينهم من السيطرة على مقاليد معيشتهم ومصائرهم، ولكن ذلك يعتمد بدوره على وضع نهاية للتدخل الخارجي المستمر من قبل الولايات المتحدة، في المنطقة.

في المدى القريب، تتسم وصفة العلاج بأنها قاسية، وواشنطن يتعين عليها التراجع وترك هذه المجتمعات وشأنها، وإنهاء وصايتها على سكان منطقة الشرق الأوسط. علينا أن ننهي جهودنا المتواصلة والمستغرقة في التدخل والتضييق على الحياة السياسية للدول الأجنبية، بحجة النظرة القاصرة لــ «مصالح أميركا».

تعد منطقة الشرق الأوسط اليوم المعقل الأخير في العالم للأنظمة التي تحظى بالحماية والإرشاد من قبل واشنطن. فهل من عجب في أن المنطقة تعد معقلاً لعدد كبير من حركات الاحتجاج والمشاعر المناهضة لأميركا؟

ولماذا نصر على هذا الدور المدمر وشبه الاستعماري البغيض في الشرق الأوسط؟ هل ذلك من أجل النفط؟ إننا لا نعتمد بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط، والسعودية تحتل المركز الثالث فقط بين الدول الخمس المصدرة للنفط إلى الولايات المتحدة، وهي كندا والمكسيك والسعودية وفنزويلا ونيجيريا.

أم أن الأمر برمته ربما يتعلق بإسرائيل؟ ومع ذلك، لماذا يتعين أن تشكل تلك الدولة محور كل شيء نقوم به في المنطقة؟ في نهاية المطاف، فإن إسرائيل تعتبر أقوى دولة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وتتصرف كيفما تشاء في المنطقة تحت حماية الفيتو الأميركي، وتتلاعب بسياساتنا الداخلية لخدمة مصالحها، وهي الآن تديرها أكثر الحكومات افتقاراً للمرونة وأكثرها تطرفاً في تاريخ إسرائيل، بينما تلتهم المزيد من المساعدات الخارجية الأميركية بالنسبة لمعدل الفرد، بما يفوق أي دولة أخرى. فالولايات المتحدة لا تزال تدعم الاحتلال الإسرائيلي القائم الآن في عقده الخامس، في مواجهة الفلسطينيين.

لذلك، وفي ظل الاندلاع الجديد من حال الإحباط والغضب والعنف، لا نزال على ما يبدو لا نعترف بالحاجة إلى تغيير هذا السرد. لا تزال واشنطن لا تستوعب ظاهرة الإرادة الشعبية الشرق أوسطية، التي تواجهنا الآن فيما يبدو، في كل مكان. لا تزال غرائزنا المعيبة من جراء أيام الحرب الباردة، تبحث حتى الآن عن شبح «الاستقرار» بأي ثمن، ونقدم الدعم لأي طرف موالٍ للغرب.

إننا، نحن الأميركيين، نعتقد أننا نفضل الديمقراطية وإرساء نظام حكم الشعب، ولكن حكومتنا لا تفضل ذلك. إننا نفضل الديمقراطية، ولكننا لا نريدها إلا عندما تنتج قادة وسياسات تتوافق مع مصالحنا، وليس مع مصالحهم. فنظام حكم الشعب يكون دائماً عقاباً يسلط على رقاب الأعداء، وليس منحة نقدمها للأصدقاء، خوفا من أن تجلب الانتخابات زعماء مناهضين لأميركا، والذين نتسبب نحن في ظهورهم. وماذا يعني مصطلح «مناهض لأميركا» سوى دعوة لسيادة حقيقية حرموا منها؟

هل استجابتنا لعقود من العداء لأميركا لا تزال هي نفسها؟ هل نحن عاجزون عن الاعتراف في نهاية المطاف بضرورة إجراء انتخابات حرة، أياً كانت النتيجة؟

نعم، أياً كانت النتيجة، لأن الناس الغاضبين في المنطقة ربما يدعمون في بداية الأمر السياسات التي لا نريدها. المفارقة في الأمر، أن الأنظمة المناهضة لأميركا في المنطقة، تتصرف بكل ثقة في مواجهة الاحتجاجات في دول أخرى، وأياً كانت تأثيرات هذه الأنظمة، فإنها ينظر إليها على أنها تحظى بالسيادة الحقيقية، وتقف على الجانب الصحيح من تاريخ منطقة الشرق الأوسط، المناهض للاستعمار.

ومع ذلك فقد خضنا هذا النقاش بلا انتهاء منذ أحداث سبتمبر. لماذا يوجد الكثير من مشاعر العداء لأميركا؟ لا، إن ذلك لا يرجع إلى «أنهم يكرهون قيمنا»، وإنما الأمر يرجع إلى افتقارنا إلى القيم في سياساتنا الخارجية، وهذا هو ما لا يحبونه. الأمر يرجع إلى افتقارنا إلى الالتزام بالديمقراطية، إلا عندما تلبي احتياجاتنا الفورية.

لا يمكن لأميركا أن تستمر في اللعب بالنار إلى الأبد في منطقة الشرق الأوسط. لا يمكننا أن نتوقع تأييدا من قوى موالية لأميركا في المنطقة، في الوقت الذي لا تلقى السياسات الأميركية قبولاً لدى الجمهور. لا يمكننا أن نستمر في تدخلاتنا اللانهائية، التي تنبع من الخوف إزاء ظهور بعض الدول المناهضة لأميركا.

لقد فاض الكيل بالعالم من مثل هذا التدخل. علينا أن نتعامل مع الأسباب التي تقف وراء النزعة المناهضة لأميركا في المنطقة. فكل ذلك يأتي في سياق صعود القوى الجديدة بمصالحها الخاصة، والرغبة في المشاركة في ما يرونه نظاماً عالمياً واعداً، ومتعدد الأقطاب.

النائب السابق لرئيس مجلس الاستخبارات القومي الأميركي

 

 

opinion@albayan.ae