في ليبيا ثلاث قوى مسلحة تتصارع وتتحارب؛ قوات القذافي، والثوار، وقوات حلف الناتو. وعلى مدى أكثر من شهر مضى والقتال متصاعد بلا هوادة بين هذه القوى، وأعداد الضحايا تتزايد بشكل يومي، وحجم الدمار يزداد ويتسع، ومئات المهاجرين يهربون يوميا من جحيم الحرب إلى الدول المجاورة وإلى البحر، وكلما مر الوقت زادت حدة القتال. وهذا يطرح وبجدية السؤال حول كم السلاح والذخيرة المستخدمة في هذا القتال ومصادره، علما بأن حلف الناتو بإمكانياته الهائلة، هو أول من اشتكى من نقص الذخيرة والإمدادات العسكرية. أما قوات القذافي التي لم تتوقف عن القتال والقصف المكثف يوما واحدا، فعلى ما يبدو أنه ليست لديها أية مشكلة مع السلاح والذخيرة، بل يقول البعض إنها تفرط في استخدام الذخيرة والقذائف بهدف إرهاب الثوار وإجبارهم على الانسحاب وعدم الهجوم. وعلى الجهة الثالثة يبدو أيضا أن لدى قوات الثوار كماً من الأسلحة والذخيرة لا بأس به، ويكفيهم للاستمرار في القتال المتصاعد.

في ظل هذا المشهد يطرح السؤال الهام، من أين يأتي كل هذا السلاح؟

أسلحة قوات حلف الناتو معروفة مصادرها، وإن كان الجدل يدور حول طريقة استخدامها والأهداف الموجهة إليها، وهناك شكوك حول نوعيات بعضها، حيث يرى البعض أن الحلف اعتاد على تجربة أنواع جديدة من الأسلحة والقذائف التي قد تكون حول بعضها شبهات تحريم دولية، أما بالنسبة للأهداف فقد لاقى استهداف قوات الحلف لمقر العقيد القذافي مؤخرا، استنكارا واسعا من العديد من الدول، على رأسها روسيا والصين وتركيا وغيرها، حيث أن قرار مجلس الأمن الدولي ‬1973 لم ينص على استهداف شخص القذافي أو عائلته، بل فقط حماية المدنيين.

بالنسبة للسلاح لدى قوات القذافي، يدور حوله جدل واسع، خاصة وأنه كان معروفا عن القذافي أنه يخاف من جيشه ويشك في قياداته، ولم يتجرأ على إعادة تسليحه بشكل جدي، بعد إلغاء الحظر المفروض على توريد الأسلحة إلى ليبيا عام ‬1994. وكان معظم أسلحة الجيش يخزن في المستودعات ولا يستخدم حتى يصيبه الفساد، كما أن القذافي ونظامه لم يتوقعا اندلاع الثورة الشعبية ضده بهذه السرعة بعد سقوط النظامين في تونس ومصر، ولم يكن التدريب القتالي في الجيش الليبي مكثفا قبل الأحداث الأخيرة، بل كان ضعيفا ونادرا، لعدم استكمال الأفراد في الوحدات وعدم توفر الأسلحة والآليات الحربية الحديثة، واكتفت قيادة الجيش في معظم الأحيان بإجراء تدريبات عادية للقيادة والأركان فقط، وبدون ذخيرة حية.

ولكن القتال الضاري الذي قامت به قوات القذافي على مدى الأيام الماضية، جعل الكثيرين يشكون في إمدادات مستمرة من السلاح وحتى من الأفراد، وانتشرت شائعات تفيد بوجود ما يسمى مرتزقة أجانب من جهات مختلفة في قوات القذافي. وكما كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلا عن مصادر استخباراتية، فإن القذافي لن يواجه مشاكل مالية في الإنفاق على جلب السلاح والمرتزقة، إذ إنه تحت يديه نقدا عشرات المليارات من الدولارات، فقد اعتاد بعد العقوبات الدولية التي تعرض لها نظامه، ألا يحتفظ بأمواله في بنوك غربية إلا بقدر ضئيل. وثمة معلومات تدل على أن مئات الطوارق من الدول المجاورة لليبيا، التحقوا بقوات القذافي الذي على علاقات طيبة مع زعماء تلك القبائل، ويقدر البعض أن تعداد قوات القذافي يتجاوز السبعين ألف مقاتل مجهزين بأسلحة حديثة.

وكانت المعارضة الليبية قد وجهت اتهامات لجهات تمد القذافي بالسلاح، مثل الجزائر وأوكرانيا وبيلاروسيا وغيرها، وقالت المعارضة إن القذافي تصله أسلحة روسية حديثة عن طريق هذه الدول. ولكن هذه الادعاءات لم تثبت صحتها، خاصة وأن المعارضة ذكرت أنواعا من الأسلحة لا وجود لها في روسيا، مثل دبابات (ت ؟ ‬92). والمعروف أيضاً أن روسيا تفرض شروطاً صارمةً على البلدان التي تزودها بالأسلحة، بحيث يتعذر بيعها لبلدانٍ أخرى، كما أن كلاً من طرفي النزاعِ في ليبيا يستخدم أسلحةً روسية، وهذه الأسلحة موجودة لديهما بوفرة، بحيث تكفي لعشر سنواتٍ من الحرب، حتى لو استمر حظر تصدير السلاح إلى هذا البلد. ويبدو أن حديث المعارضة عن أسلحة روسية، يرمي إلى تبرير الهزائم التي مني بها الثوار الليبيون، وإقناعِ الغرب بتقديم السلاحِ لهم، أو يهدف إلى جر الدول الغربيةِ إلى عمليةٍ برية ضد القذافي.

أما بالنسبة للسلاح لدى الثوار فهو الأخطر في القضية، خاصة وأن قضية تسليحهم أثارت خلافات حادة داخل الكونغرس الأميركي، حيث طالب البعض بتحديد هوية هؤلاء الثوار قبل إمدادهم بالسلاح، خشية أن تكون وراءهم جماعات وتنظيمات متطرفة. وقد استنكرت روسيا بشدة أية محاولات لتسليح الثوار في ليبيا، وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن أي توريد للأسلحة إلى ليبيا أو القيام بعملية عسكرية برية ضدها، يعتبر انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي، كما استنكرت جهات عديدة أخرى إمداد الثوار الليبيين بالسلاح، ومنها الصين وتركيا ودول عربية، وحذرت موسكو من أن ذلك سيخلق أوضاعا خطيرة على الساحة الليبية، ستؤدي لحرب أهلية واسعة النطاق، وسوف تمتد لتشمل دولا أخرى مجاورة.