الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة و«الإرهابي رقم واحد في العالم» أسامة بن لادن، في هذا التوقيت بالتحديد، له دلالات ومؤشرات كثيرة في المرحلة القادمة من الصراعات والحروب على الساحة الدولية.

 

ففي الوقت الذي يتوقع فيه الكثيرون قيام تنظيم القاعدة بعمليات انتقامية واسعة النطاق في أماكن عديدة من العالم ردا على اغتيال زعيمه، يتوقع آخرون، وخاصة في روسيا، أن يشكل هذا الحدث نقطة انطلاق جديدة للحملة العسكرية الأميركية، التي انطلقت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام. 2001،

 

حيث يبدو في الأفق بروز ساحات جديدة للقتال، ربما تكون أكثر أهمية من أفغانستان التي تواجه فيها القوات الأميركية عقبات كبيرة، ولا تجد حماسا من حلفائها في حلف الناتو للاستمرار فيها. بينما ظهرت على الساحة نقطة جذب جديدة وهامة وحيوية، وهي ليبيا، بما فيها من ثروات مصادر الطاقة من النفط والغاز، .

 

وأيضاً لموقعها الهام في الشرق الأوسط في قلب الشمال الإفريقي بين دولتين كبيرتين، هما مصر والجزائر، الأمر الذي يطرح إغراءات عديدة للعسكرية الأميركية ولحلف شمال الأطلسي، لبدء مرحلة جديدة من الحملة العسكرية الكبيرة التي بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001. .

 

لقد كانت الولايات المتحدة تواجه صعوبات كبيرة في أفغانستان، التي أعطاها الرئيس أوباما منذ توليه الحكم أهمية خاصة، وأرسل لها دعما عسكريا بنحو ثلاثين ألف جندي أميركي، وأخرج لها مخصصات مالية كبيرة وافق عليها الكونغرس الأميركي بصعوبة. وكان من الصعب على الإدارة الأميركية أن تقنع الكونغرس والرأي العام الأميركي والعالمي أيضاً، بخوض حرب جديدة في ليبيا، في الوقت الذي تواجه فيه القوات الأميركية والتحالف الدولي أزمات حادة في أفغانستان.

 

ولهذا كان لا بد من إيجاد مبرر للتوجه إلى ليبيا وفتح ساحة جديدة للحرب فيها، ويأتي اغتيال ابن لادن ليعطي إيحاء بتحقيق إنجاز كبير في أفغانستان، وجاءت الرواية على أنها عملية مدبرة من قبل القوات الأميركية وتم الإعداد لها مسبقا، وأن الرئيس الأميركي أوباما كان على علم بها ويتابع الإعداد لها، وأنه هو الذي أعطى إشارة البدء في تنفيذها، حسب الرواية الأميركية.

 

الآن يمكن القول بأن الولايات المتحدة حققت إنجازا كبيرا في أفغانستان، وأنها انتقمت إلى حد ما لضحاياها الذين قتلوا تحت أنقاض البرجين في نيويورك عام 2001، فقد استطاعت القضاء على رأس الإرهاب الذي كان يشكل رعبا كبيرا للشعب الأميركي وللعالم، بخروجه بين الحين والآخر على الشاشات من خلال أشرطة الفيديو المسجلة، ليهدد ويتوعد الجميع بلا استثناء. وبناء على هذا الإنجاز الكبير، تتوافر الجرأة والشجاعة للإدارة الأميركية وللبنتاغون للتوجه إلى الساحة الليبية الموعودة، وهذا ما يتوقعه البعض قريبا.

 

لقد بدت واشنطن منذ بداية الحملة العسكرية على ليبيا، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، وكأنها لا تعير هذه الحملة اهتماما كبيرا، لدرجة أنها انسحبت منها وتركت قيادتها لفرنسا وبريطانيا. واندهش الكثيرون لهذه التصرفات، لكن الاندهاش لم يكن كبيرا لأن بريطانيا موجودة، وبدا واضحا أن الإدارة الأميركية تواجه.

 

أو ستواجه، ضغوطا داخلية في الولايات المتحدة إذا ما شاركت بقوة في العمليات العسكرية في ليبيا، ولم يكن التردد والانسحاب الأميركي من العمليات هناك إلا إجراء مؤقتا، إلى حين الانتهاء من الخبطة الكبرى في أفغانستان، وهي اغتيال رأس القاعدة أسامة بن لادن.

 

. هذه الخبطة التي يمكن معها الآن أن تخوض الولايات المتحدة في عملية عسكرية جديدة في ليبيا، مع الاحتفاظ بقواتها في أفغانستان. وربما تلجأ لتهدئة الأوضاع في أفغانستان بعض الشيء، مثلما سبق أن فعلت عندما شرعت في غزو العراق عام 2003، وعندما استقر لها الأمر في العراق عادت عام 2007 لتصعد حملتها في أفغانستان، .

 

والآن سيجري نفس السيناريو وتهدأ الأوضاع بعض الشيء في أفغانستان، حتى تتفرغ القوات الأميركية وقوات حلف الناتو للعمليات العسكرية في ليبيا، ثم تعود مرة أخرى لأفغانستان.

 

وقد يرى البعض أن اغتيال ابن لادن لا يعني انتهاء الإرهاب ولا يقلل من خطورة تنظيم القاعدة، وهذا صحيح، وواشنطن تعي هذا أكثر من غيرها. لكن ما تحتاجه الولايات المتحدة الآن في هذا التوقيت، هو الإنجاز الذي يوحي بالنجاح في أي شيء، حتى تكون الفرصة سانحة لإقناع الكونغرس والشعب الأميركي بالتوجه إلى ساحة معركة أخرى.

 

ومعلوم أن الشعب الأميركي يختلف كثيرا عن باقي شعوب العالم في التعامل مع فكرة «البطل الفرد»، التي دأبت سينما هوليوود منذ تأسيسها على زرعها في العقل الأميركي، لتقتل روح الجماعة وتنمي روح الفردية التي تساعد الإمبريالية الرأسمالية على تحقيق أهدافها في السيطرة على هذه الدولة العظمى الكبيرة. ولهذا نلاحظ أن الأميركيين يعشقون البطل الفرد، ويؤمنون بقدراته الخارقة على هزيمة الجيوش العملاقة ومقاومة قوى الشر الكبيرة.

 

وقد صورت هوليوود والميديا الأميركية للشعب الأميركي، أسامة بن لادن على أنه قوة شر كبيرة تستحق الحرب ضدها، ولهذا نجد استقبال الشعب الأميركي لخبر اغتيال ابن لادن يختلف كثيرا عن استقبال باقي شعوب العالم له، فقد أقيمت الاحتفالات وخرجت الجماهير الأميركية في الشوارع تهلل فرحا، بينما باقي شعوب العالم تعيش في رعب من انتقام تنظيم القاعدة لمقتل زعيمه.