كلما اقترب موعد انتخابات الرئاسة الروسية في ربيع العام المقبل، كلما زاد الغموض واتسع الجدل حول الثنائي الحاكم في روسيا الآن؛ الرئيس ديمتري ميدفيديف، ورئيس الحكومة فلاديمير بوتين الذي أتى بميدفيديف للرئاسة عام 2008، ولم يكن أحد يتوقع ذلك، وكان بإمكان بوتين الاحتفاظ بمنصب الرئاسة لدورة ثالثة، لو كان وافق على اقتراح البرلمان بتعديل الدستور الذي ينص على ولايتين فقط.

 ومن يوم تولي ميدفيديف الحكم والكثيرون يعتقدون أن بوتين هو الذي يدير الأمور في روسيا وليس ميدفيديف، وأن بوتين سيعود بسهولة إلى مقعد الرئاسة في الكريملن عام 2012، على الرغم من استقلالية واختلاف نهج وأسلوب ميدفيديف في الحكم كثيرا، عن أسلوب بوتين، واختلاف وجهات نظرهما في العديد من القضايا، وانتقاد ميديفيديف أكثر من مرة لأسلوب الحكومة التي يرأسها بوتين. ورغم هذا يجزم الكثيرون بأن هذا الاختلاف بينهما مصطنع ومقصود لتوازنات خارجية وداخلية، لكن يبقى السؤال المحير هو: من سيكون الرئيس القادم في الكريملن العام المقبل؟

الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف، قال في مقابلة مع التلفزيون الصيني يوم 12 إبريل الماضي، إنه لا يستبعد الترشح لإعادة انتخابه رئيسا للجمهورية في عام 2012، مشيرا إلى أنه سيتخذ قراره بهذا الشأن في وقت قريب، استنادا إلى الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد.

وفي نفس الوقت أكد ميدفيديف أن وجهة نظره حيال مستقبل روسيا تتفق مع وجهة نظر بوتين، منوها بأن كليهما يوليان ازدهار الوطن جل اهتمامهما، وإن كان من الممكن أن تتباين وجهتا نظرهما حيال سبل تحقيق الازدهار، ولكن هذا الاختلاف يتماشى مع الديمقراطية. وأضاف ميدفيديف أن دوره يختلف عن دور رئيس الوزراء، موضحا أن رئيس الدولة يضمن تنفيذ الدستور ويقوم بتشكيل الحكومة، بينما ينشغل رئيس الوزراء بالشأن الاقتصادي والقضايا الاجتماعية. ووصف ميدفيديف علاقاته مع بوتين، بالودية والرفاقية.

وسبق أن قال كل من ميدفيديف وبوتين، إنه لن يكون هناك أي تنافس بينهما بخصوص انتخابات الرئاسة عام 2012، ولا بد وأن يتفقا على تحديد من سيخوض هذه الانتخابات.

إلى ذلك، استمر الجدل بين المحللين والمراقبين حول قرار الرئيسين المنتظر. واحتدم الجدل بعدما رأى بعض المحللين التقرير الصادر عن إحدى مجموعات البحوث الموالية للرئيس ميدفيديف (معهد التنمية العصرية)، في شهر مارس الماضي، برنامجا انتخابيا للرئيس ميدفيديف، الأمر الذي يعني أن ميدفيديف بدأ بالفعل استعداداته للحملة الانتخابية.

على الجانب الآخر يلقى ترشيح بوتين للرئاسة القادمة قبولا واسعا لدى قطاع كبير من الشعب الروسي، ويرى المراقبون أن لدى بوتين داخل روسيا من الشعبية ما يكفيه تماما للحصول على أعلى نسبة أصوات في أية انتخابات تجرى، وهذا ما أكدته استطلاعات الرأي الكثيرة التي أجريت طيلة السنوات الأربع الماضية، وحتى خارج روسيا حيث يعتقد الكثيرون أن بوتين ليس محبوبا في الخارج، لأنه يمثل العقلية السوفيتية وطموحات الدولة العظمى، إلا أن الأمر على ما يبدو غير ذلك، حيث كانت الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في روسيا في مارس 2012، أحد المواضيع التي جرى بحثها خلال المؤتمر الذي عقده معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس مؤخرا، وشارك فيه العديد من رجال السياسة الأوروبيين. وحصلت المفاجأة غير المتوقعة، عندما عبر غالبيتهم عن تأييدهم لعودة فلاديمير بوتين إلى مقعد قمة السلطة في روسيا. وهذا يتنافى مع الاعتقاد السائد في روسيا، بأن الغرب يريد أن يرى ميدفيديف جالسا على قمة السلطة في موسكو. واعتبر البعض هذا دليلا على بدء حملة بوتين الانتخابية في الخارج، بقصد تعزيز ثقة القوى الخارجية فيه تمهيدا لعودته إلى قمة السلطة، وفق رأي بعض المحللين.

الذي لم ينتبه إليه الكثيرون خارج روسيا، بينما يشعر به الكثيرون داخلها، وخاصة المعارضة، هو أن قضية الصراع على الرئاسة قد انحصرت تلقائيا بين الاثنين، بوتين وميدفيديف، ولا ثالث لهما. وهو الأمر الذي يتصور الكثيرون أيضا أنه لعبة مرتبة ومدبرة من الاثنين، ومن حزب «روسيا الموحدة» الذي يرأسه بوتين ويمثل الأغلبية في البرلمان، حيث انشغل الرأي العام داخليا وخارجيا حول قضية عودة بوتين للكريملن أو بقاء ميدفيديف، ولم يفكر الكثيرون في إمكانية ظهور منافس قوي لكليهما معا.

ويرى المراقبون أن الوقت قد مضى، وأنه حتى لو فكر أحد في الترشح للرئاسة ضد أي من بوتين أوميدفيديف، فلن تكون لديه قدرة على المنافسة. ولهذا، كما يقول الكثيرون، فإن الرئيس القادم لروسيا أصبح معروفا للجميع، وهو «إما بوتين أو ميدفيديف».

وأيا كان الأمر، فإن السؤال يبقى قائما حتى موعد فتح باب الترشح للانتخابات، وآخر ما يتوقعه الجميع هو أن يتنافس بوتين وميدفيديف على الرئاسة، حيث أن الاثنين صرحا بأنهما سيتفقان على هذا الأمر مسبقا.