شهد منتدى الإعلام العربي في دورته العاشرة نقاشاً مطولاً في أكثر من جلسة، بشأن ما أطلق عليه الإعلام الكلاسيكي و«الإعلام الحديث» ودورهما في الحراك الذي يشهده الوطن العربي الكبير. و«الإعلام الحديث» أو «الإعلام الجديد» كما أطلق عليه في أعمال المنتدى، يتضمن الشبكات الاجتماعية على الشبكة العنكبوتيه ووسائل التواصل الالكترونية، مثل الفيس بوك وتويتر ويوتيوب والايميل والتراسل الفوري وغيرها. ويتحمس بعض الجمهور من الشباب وغيرهم من المنبهرين بإطلاق صفة الإعلام على شبكات التواصل هذه، التي لعبت دور مهماً في تحريك الشارع العربي في أكثر من عاصمة، لإحداث تحولات جذرية في مجتمعاتها.

إن تصنيف هذه الشبكات الاجتماعية ضمن «الإعلام الحديث» يتجاوز واقعها بكثير، فهي ليست وسائل إعلامية ولا يمكنها أن تكون كذلك بمعطياتها الحالية. ربما جاءت هذه الصفة من الترجمة الحرفية لكلمة «ميديا» من اللغة الانجليزية (Social Media)، والترجمة الدقيقة لهذا المصطلح تعني شبكات التواصل الاجتماعي. وتعريف (Social Media) هي وسائل التواصل الالكترونية، مثل صفحات الانترنت والشبكات الاجتماعية والمدونات، لنشر معلومات وآراء المستخدم ورسائل شخصية وتكوين مجتمعات افتراضية ذات اهتمام مشترك.

ولعبت هذه المواقع دوراً مهماً، بالإضافة للقنوات الإخبارية المتميزة والهواتف النقالة وغيرها، في تحريك الشارع العربي ضد بعض الأنظمة المتعسفة. ومن غير الصواب تحميل هذه المواقع كل الفضل في الثورات العربية، فمثلاً نسبة انتشار الهواتف النقالة في مصر تصل 93%، أي قرابة 73 مليون مشترك، مقابل 24 مليون مشترك في شبكة الانترنت، حسب موقع «الجزيرة نت» نقلاً عن وزارة الاتصالات المصرية في آخر إحصاء نشر في مايو الجاري. وربما يكون الهاتف النقال لعب دورا أكبر من شبكات التواصل الاجتماعي، التي سرقت الأضواء من النقال؛ الجندي المجهول في ثورة ميدان التحرير.

إن مفهوم الإعلام الحديث، ببساطة، يقصد به دمج التقنيات الحديثة في عمل وسائل الإعلام، واعتماد العملية التفاعلية مع القارئ والمستمع والمشاهد، حيث كان التواصل بين الإعلام الكلاسيكي و«المتلقي» في اتجاه واحد.

اليوم في الإعلام الحديث اختلفت المعادلة، وأصبح العميل ـ القارئ والمستمع والمشاهد ـ مُسْهماً ومؤثراً في عملية تحديد واختيار محتوى الوسيلة الإعلامية. وعلى سبيل المثال؛ القارئ اليوم بإمكانه اختيار نوعية الأخبار التي تصله على ايميله أو هاتفه النقال، كذلك يمكن لقارئ صحيفة أن يشاهد لقطات فيديو مثلا على موقع الصحيفة على الانترنت، بدلا من الاكتفاء بالصور. كذلك الحال مع القنوات التلفزيونية، فقد أصبحت تتلقى من المشاهد الرسائل النصية والفيديو. هذا التفاعل المتبادل بين الطرفين غير كثيراً في مفاهيم إدارة العمل الصحافي، وأبرز الإعلام الحديث التفاعلي. ومنذ سنوات يدرس بعض الجامعات الأميركية في كليات الإعلام، كيفية استخدام وسائط متعددة، مثل الفيديو والفلاش والغرافيك والتصوير الرقمي وتصميم المواقع على الانترنت، في صناعة الإعلام والإعلان والتسويق.

أما في ما يتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، فهي ليست وسائل إعلام حديثة كما يحلو للبعض تسميتها. فليس كل من يحمل مشرطاً طبيباً جراحاً، فربما يكون جزاراً. إن شبكات التواصل تستخدم من قبل مختلف شرائح المجتمع ـ مثل المكان العام ـ يمكن لأي شخص أن يقول ما يحلو له، كمن يقف في حديقة عامة يقول ما يشاء ويحتمل الخطأ والصواب، وإن أصاب القول فلا يمكن أن يصبح مصدراً للأخبار.

هذه المواقع تفتقد المهنية والمصداقية وهما صميم العمل الصحافي، والقائمون عليها ليسوا إعلاميين، ربما تتضمن شبكات التواصل معلومات أو مادة خامة يمكن توظيفها، بعد التحقق منها، في كتابة الخبر الصحافي. هذه المعلومات لابد أن يتم التعامل معها كما يتم التعامل مع ما يسمى بلغة الصحافة «خيط خبر» وبالانجليزية (News tip)، وهي معلومات أولية تحتمل الصحة أو الخطأ ولابد من التحقق منها لاعتمادها في كتابة خبر أو تحقيق. وفي منتدى الإعلام العربي في دورته العاشرة في دبي، ذكر احد ممثلي القنوات الإخبارية المرموقة أن قناته وقعت في خطأ مهني من أجل السبق، بعد بثها فيديو التقطته من موقع مضلل على الانترنت معنون لحدث متفاعل في دولة عربية، والفيديو قديم دارت أحداثه في دولة مجاورة قبل سنوات.

إن شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت أضفت لوناً جديداً على حياتنا الاجتماعية، وأحدثت تغيرات حادة في التواصل الإنساني، وأصبحت آنية عابرة للحدود، وأثرت في وعي الشارع العربي، فالحرية التي يشعر بها رواد فضاء الانترنت في التعبير عن آرائهم حول مختلف الأحداث السياسية مثلا، غذت قيمة مفهوم الحرية لديهم وازدادوا بها شغفا بعد سنوات من استخدام الانترنت، لكن في ممارسات الحياة اليومية هناك صعوبة في ممارسة هذه الحرية. هذا الانفصام في الممارسة لا يمكن أن يستمر ومع وجود المحفزات الأخرى، فقد اندفع الشباب العربي إلى الميادين العامة ليصرخ بصوته، بدلا من الكبس على لوحة المفاتيح.

إن ثورة الانترنت أسهمت بطريقة ما في صنع الثورات العربية، من خلال تلاقح الأفكار والمفاهيم وبلورة نظرة جديدة لدى الشباب العربي لإعادة صياغة واقعهم وفق منظورهم، وليس وفق رؤية الحزب الواحد أو القائد الأوحد.