شغلت الفضيحة الجنسية لمدير صندوق النقد الدولي الفرنسي «دومنيك ستروس كان»، الرأي العام العالمي خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن وجه القضاء الأميركي إليه تهمة الاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب، في حق موظفة تنظيف في فندق سوفيتيل حيث كان ينزل في نيويورك. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يدور فيها الحديث حول المغامرات الجنسية لستروس كان، إلا أنها تختلف عن ما سبقها كثيرا، من حيث التوقيت والظروف الملابسة، .

 

حيث إن «ستروس كان» ليس مجرد مدير لصندوق النقد الدولي فقط، بل يعتبر الشخصية السياسية الثانية في فرنسا، بحكم موقعه البارز في الحزب الاشتراكي والذي يجعله المنافس الأكبر والأوفر حظا أمام الرئيس ساركوزي في انتخابات الرئاسة العام القادم.

 

التعامل مع قضية ستروس كان في الأوساط الفرنسية والغربية عموما، ينقسم إلى تيارين، أحدهما يعتقد ارتكابه لجريمة التحرش الجنسي عمدا، والآخر يرى أن الجريمة مدبرة له وأنه تم إيقاعه في فخ أعد له، لكن لم ينفِ أحد عنه الواقعة، استنادا إلى أنه من المعروف عنه ولعه بالنساء وله سوابق كثيرة في هذا الأمر. ورغم هذا فهو من أكثر السياسيين شعبية في فرنسا، ولهذا لم يستبعد الكثيرون أن يكون الأمر مدبرا له.

 

ويميل الرأي العام في روسيا لهذا الرأي، لأسباب كثيرة وشواهد سابقة، فقد سبق أن نشرت صحيفة اللوموند الفرنسية تقريرا، قالت فيه إن أصدقاء الرئيس ساركوزى حاولوا تسريب تقرير للشرطة يذكر أن «ستروس كان»، سبق أن ضبط متل خاصة وأن ستروس كان، من المرشحين لانتخابات الرئاسة في فرنسا.

 

من الواضح، إذن، أن هناك في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، من يريد الإيقاع بمدير صندوق النقد الدولي دومنيك ستروس كان، ولكن لماذا؟

 

في مقال له خص به صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» الروسية يوم 26 مايو، قال الكاتب الصحفي الفرنسي تييري ميسان، إنه يعتقد أنه تمت تنحية ستروس كان عمدا مع سبق الإصرار، من قبل قوى قديرة داخل فرنسا وخارجها. وهذا الكاتب الفرنسي ميسان اشتهر بكتابه حول أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك،.

 

والذي اتهم فيه جهات أميركية خفية بتدبير حادث الاعتداء بالطائرات على برجي التجارة في مانهاتن، وتضمن الكتاب وثائق وصورا لم تنشر من قبل، مما جعل الكثيرين يشكون في انتماء ميسان لجهاز الاستخبارات الفرنسية أو أي جهاز أجنبي، خاصة وأنه ليس كاتبا مشهورا في فرنسا، وكتاباته كلها تدور حول أسرار ومؤامرات سياسية دائما تكون الولايات المتحدة طرفا رئيسيا فيها.

 

وفي مقاله للصحيفة الروسية، يقول ميسان إن ستروس كان شخصية مزعجة كثيرا لكل من واشنطن والرئيس ساركوزي، فهو المرشح الاشتراكي الأوفر حظا لانتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة، التي يطمح ساركوزي للفوز فيها بولاية ثانية. أما بالنسبة لواشنطن، فيقول ميسان إن صندوق النقد والبنك الدوليين يعملان منذ 25 إبريل 2010، على إنشاء عملة احتياط جديدة تحل محل الدولار الأميركي، ولكن هناك من يعارض ذلك، .

 

وعلى الأخص مسؤولون عن الإنتاج الحربي في الولايات المتحدة وإسرائيل، وكان ستروس كان الاشتراكي يقود هذا الاتجاه في المؤسستين الدوليتين. كما أن هناك سببا آخر طرحه ميسان في مقاله، يتعلق بمعلومات سرية حول الإعداد للقاء خاص لستروس كان مع قادة ليبيا، .

 

وربما مع العقيد القذافي شخصيا، ليبحث معهم مصير احتياطي ليبيا من النقد الأجنبي، علما بأن الولايات المتحدة كانت قد جمدت 150 مليار دولار من أموال ليبيا في بنوكها، رغم أنه لا يحق لأحد سوى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، أن يقرر من يمثل ليبيا في المؤسسات المالية الدولية، .

 

ومن يملك التفويض في التصرف في أموال ليبيا في البنوك. ولأن هذا المبلغ يمكّن الولايات المتحدة من إعادة العافية لاقتصادها، فقد سعت بسرعة لمنع صندوق النقد الدولي من امتلاك القرار، متحججة بخشية تمكين القذافي من هذه الأموال وشراء الأسلحة ودحر قوات المعارضة.

 

«ستروس كان» متأكد من براءته، ولهذا بادر بتقديم استقالته من منصبه في الصندوق، حتى يرفع الحرج عن زملائه في العمل، وحتى يتفرغ للقضية التي وصفها هو ومحاميه بأنها سياسية مائة في المائة.

 

الكاتب الفرنسي تيري ميسان لجأ لصحيفة روسية لنشر مقاله فيها، سعيا منه لتبني روسيا للقضية ودعم موقف ستروس كان، خاصة وأن الأمر يعني موسكو من نواحٍ كثيرة، سواء من ناحية قضية العملة البديلة للدولار أو من ناحية أموال ليبيا في الخارج، أو حتى من ناحية خوض ستروس كان الاشتراكي لانتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة، ضد ساركوزي الذي يميل كثيرا لواشنطن.